لماذا ستستمر هيمنة الدولار في الوقت الحالي

لماذا ستستمر هيمنة الدولار في الوقت الحالي

ذكر موقع “سكاي نيوز”، أنّ الدعوات تصاعدت لإنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، وذلك بعد أن ارتفعت قيمته أمام العملات الأخرى بقوة خلال العام الجاري.

الدعوات تزايدت أيضًا في ظل استياء بعض الدول من استخدام العملة الخضراء كسلاح سياسي، بدلا من كونها عملة تجارية عالمية.

الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي بدأت عام 2018، بالإضافة إلى الخطوات التي اتخذت لمنع روسيا من استخدام الدولار نتيجة اندلاع الحرب في أوكرانيا، هما المحركان الرئيسان لهذه الدعوات التي تهدف للتخلص من الدولرة.

تكتل دول “بريكس”، الذي يشمل كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، يتحرك بقوة للتخلص من الدولار في تعاملاته التجارية البينية.

وبدأت الصين والهند وروسيا بالفعل تسوية معاملاتها التجارية بعملاتها الخاصة، كما تدرس المملكة العربية السعودية بيع النفط إلى الصين باليوان.

ومؤخرًا، دعت البرازيل إلى إنهاء التداول بالدولار بين أعضاء “بريكس”.

ومنذ بداية العام الجاري، أعربت 19 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، ومنها السعودية وإيران والجزائر ومصر وإندونيسيا.

وانضمت مصر وبنغلاديش والإمارات إلى عضوية بنك التنمية الجديد، الذي أسسته دول “بريكس”، ويعتبر ذلك خطوة أولى في الانضمام إلى المجموعة.

دول مختلفة، وعلى رأسها الصين وروسيا، أعربت عن استيائها خلال الفترة الماضية، من هيمنة العملة الخضراء، لتبحث تلك الدول عن بدائل لنظام الدولار العالمي.

الصين، على سبيل المثال، سعت وما زالت لبناء اليوان كعملة تجارية عالمية، وأطلقت روسيا من جانبها نظام الدفع الدولي “مير”، تحسبًا لحظر تعاملاتها على نظام “سويفت”.

وحتى الآن، تستخدم نظام سويفت 10 دول، منها مصر، بينما أبدت الهند وإيران اهتماما باستخدامه.

محاولات الابتعاد المتنامية عن الدولار تجعل الاقتصاديين والخبراء الماليين يتوقعون نهاية لهيمنة الدولار قريبا.

إلا أن حدوث هذه النتيجة يعتبر أمرا سابقا لأوانه في الوقت الراهن، فمن أجل إنهاء هيمنة الدولار، يجب أن تحدث العديد من التطورات.

وتجب الإشارة إلى أن أكثر من 85 بالمئة من جميع معاملات الصرف الأجنبي تنطوي على الدولار، كما أن نحو 60 بالمئة من جميع احتياطيات العملات الأجنبية التي تحتفظ بها البنوك المركزية هي بالدولار، كما أن 100 بالمئة تقريبا من إجمالي عمليات تجارة النفط تتم بالعملة الخضراء، فضلا عن ثلاثة أرباع عمليات التجارة الدولية.

اليوان الصيني

لم يتم الاحتفاظ بالعملة الصينية ضمن الاحتياطيات لبعض الدول، إلا في الآونة الأخيرة، وتحديدا عام 2021، لتمثل حصتها نحو 7 بالمئة فقط من العملات الأجنبية المحتفظ بها لدى البنوك المركزية.

وقد يستغرق الأمر سنوات قبل أن ينمو اليوان لمستوى منافسة الدولار الأميركي.

كما أن الأمر لن يكون سهلا، إذ أن اليوان لا يتمتع بالمرونة أو الحرية في التحويل، كما أن سوق ديونه ليست عميقة ولا يتمتع بالسيولة الكافية لتحدي أي من العملات الدولية الرئيسة الأخرى، كاليورو والين الياباني، ناهيك عن الدولار.

ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة عن الدولار، أن غالبية الديون الأميركية مملوكة للأجانب، وخاصة الصين، وهذا ليس بالصحيح.

فبحسب بيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن أكبر حاملي الديون هم المستثمرون الأميركيون، وخاصة المستثمرين، والبنوك، وصناديق التقاعد.

ومن جهة أخرى، يمتلك الأجانب نحو ثلث الدين الأميركي فقط، وتعتبر الصين هي ثاني أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأميركية، إلا أنها تحركت خلال العامين الماضيين لتقليل حيازتها من هذه السندات.

وتمتلك الصين الآن نحو 3 بالمئة من إجمالي سندات الخزانة الأميركية القائمة.

الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة، التي يمتلك الأجانب جزءًا كبيرا من ديونها، فالمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان لديهم نسبة مماثلة من حملة الديون الأجانب.

امتلاك المستثمرين الأجانب لديون دولة ما يعد علامة على ثقتهم باقتصادها.

ومنذ عام 2008، تراجعت النسبة المئوية للأجانب من ملاك الدين الأميركي، في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه ديون الحكومة الأميركية بمعدل قياسي.

على المدى القصير، لا مشكلة في ذلك، إلا أن استمرار ذلك على المدى الطويل يوضح تراجع ثقة المستثمرين بالعملة الخضراء.

الاعتقاد الخاطئ الثاني هو أن قوة الدولار ترجع إلى مسمى “البترودولار”، وهو ما يعني أن تسوية معاملات التجارة النفطية تتم بالدولار الأميركي.

على الأرجح، كان هذا صحيحا قبل 20 عامًا، إلا أن ذلك ليس بالصحيح في وقتنا الراهن، إذ تتم تسوية 75 بالمئة من التجارة الدولية بالدولار، بما فيها تجارة المواد النفطية.

وبحسب دراسة لـ شركة أبحاث السوق “بزنس ريسيرش إنسايتس”، فقد بلغ حجم سوق النفط الخام العالمي 2.87 تريليون دولار أميركي في عام 2022، بينما بلغ إجمالي حجم التجارة العالمية في نفس العام نحو 25 تريليون دولار، بحسب منظمة التجارة العالمية، ما يعني أن سوق النفط الخام يمثل نحو 11 بالمئة من إجمالي حم التجارة العالمية.

وفي حين أن التجارة الدولية والاحتياطيات الأجنبية تمنحان الدولار قوة ودعما وثقة، إلا أن أكبر مساهم في دعم الدولار اليوم هو الدين وليس النفط.

والحديث هنا لا يدور حول الديون الصادرة من الولايات المتحدة، بل من الخارج، إذ أن نحو 64 بالمئة من إجمالي الديون الصادرة خارج الولايات المتحدة تكون بالدولار.

وعلى سبيل المثال، إذا أرادت دولة آسيوية أن تصدر ديونًا، فستكون على الأرجح بالدولار، لأن هذا يسمح لها بالوصول إلى قاعدة أوسع من المستثمرين، وسوق أكثر سيولة، بعكس إصدارها باليوان، وهو أمر سيقلل من حجم قاعدة المستثمرين المستهدفين بشكل كبير.

أبرز العقبات
ad

العقبة الرئيسة التي تواجه البلدان عندما تفكر في الابتعاد عن الدولار، هي أن العملة الخضراء هي العملة الأكثر قبولا في العالم، إذ يتم قبولها في التجارة والاستثمار، والأهم، في خدمة الديون الخارجية.

كما تتراكم الدولارات في البنوك المركزية حول العالم، ويتم الاحتفاظ بها كاحتياطيات، مما يدعم العملات المحلية.

وأتفق مع الرأي القائل بأن التحرك العالمي للابتعاد عن الدولرة قد بدأ، إلا أن هذا لن يحدث في العام الجاري أو المقبل، بل على مدى سنوات.

كما أود أن أضيف بعضا من الحذر لمن يتوقع انهيار الدولار، بأن الأمر سيكون على الأرجح انتقالا تجاه عملة أخرى أو نظام مختلف، مثلما حدث عندما ابتعد العالم عن الجنيه الإسترليني نحو الدولار بعد الحرب العالمية الثانية.

هيمنة الدولار ستنتهي في نهاية المطاف، ولكن ليس بالسرعة التي يتوقعها البعض.

(سكاي نيوز)

Exit mobile version