لا يلام القارئ العربي، خصوصًا المتابع لصفحات ومداخلات التواصل الاجتماعي مؤخرًا، في أن يكوّن إنطباعًا سريعًا بأن العملة الأميركية في طريقها الى الأفول بعدما تفردت بسيادة مدفوعات الاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأن الدولار على وشك أن يخسر عرشه ويتحول الى مجرد عملة رئيسية في سوق الصرف شأنه شأن عملات الدول الصناعية المتقدمة. ولم يكن ينقص هذه السردية المشوّقة سوى دخول رجل الأعمال الأميركي وثاني أغنى رجل في العالم ايلون ماسك الى بازار النقاش بتغريدة وافق فيها على مشاركة على منصة تويتر التي يملكها تقول بأن عملية التخلي عن الدولار حقيقة وتتم بسرعة، ليجد القائلون بذلك “الدليل القاطع” على صوابية رأيهم.
صحيح أن المعطيات الاقتصادية العالمية تغيرت كثيرًا في العقود السبعة الأخيرة، وأن هذه التغيرات ستنعكس في ترتيبات العلاقات المالية، وأن هذه ليست الحقبة الأولى التي تشهد تعديلات جوهرية في التعاملات التجارية، لكن تغريدة ماسك والتغريدة الأصلية التي نشرها حساب يعود على ما يبدو لمحلل مالي في بورصة نيويورك يستخدم اسمًا مستعارًا هو “وول ستريت سيلفر” تنضحان بتحيز سياسي بارز. ففي الأولى ربطٌ مباشر بين تراجع حصة الدولار من احتياط العملة الصعبة عالميًا وبين العقوبات الأميركية على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا، وفي تعليق ماسك تسييس أعم حيث قال: “إذا عمدت الى تسليح العملة مرات كافية، ستتوقف الدول الأخرى عن استخدامها”. https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub-0616969811636074&output=html&h=280&slotname=1723096507&adk=976425411&adf=3901680856&pi=t.ma~as.1723096507&w=384&fwrn=5&fwrnh=100&lmt=1682935359&rafmt=1&format=384×280&url=https%3A%2F%2Fch23.com%2FArticle%2F66482%2F%25D8%25B5%25D8%25AD%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%2588%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25B1-%25D8%25A8%25D9%258A%25D9%2586-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D8%25B1%25D9%2582%25D8%25A7%25D9%2585-%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AB%25D8%25B1%25D8%25AB%25D8%25B1%25D8%25A9%3Futm_campaign%3Dnabdapp.com%26utm_medium%3Dreferral%26utm_source%3Dnabdapp.com%26ocid%3DNabd_App&fwr=0&rpe=1&resp_fmts=3&sfro=1&wgl=1&dt=1682935359727&bpp=1&bdt=237&idt=210&shv=r20230426&mjsv=m202304250101&ptt=9&saldr=aa&abxe=1&cookie=ID%3D8bdb3addf28a3892-223829b080dc003d%3AT%3D1682923275%3AS%3DALNI_MYh-64xWRx9AFAS1jdR_IimozfEtw&gpic=UID%3D00000c0e0ac86805%3AT%3D1682923275%3ART%3D1682923275%3AS%3DALNI_Mb9YRojB4wdb6ygvM56j1XAYsiMiA&prev_fmts=0x0%2C384x320&nras=1&correlator=3224947603307&frm=20&pv=1&ga_vid=1872597294.1682923275&ga_sid=1682935360&ga_hid=1465953778&ga_fc=1&u_tz=180&u_his=1&u_h=896&u_w=414&u_ah=896&u_aw=414&u_cd=32&u_sd=2&adx=15&ady=1961&biw=414&bih=804&scr_x=0&scr_y=0&eid=44759837%2C44759876%2C44759927%2C31071756%2C31073967%2C31074176%2C44788441%2C44789762%2C44789779&oid=2&pvsid=542779885993347&tmod=61392310&nvt=1&ref=http%3A%2F%2Fnabdapp.com%2F&fc=1920&brdim=0%2C0%2C0%2C0%2C414%2C0%2C414%2C804%2C414%2C804&vis=1&rsz=%7C%7CoeEbr%7C&abl=CS&pfx=0&fu=128&bc=31&ifi=3&uci=a!3&btvi=2&fsb=1&xpc=KO3IKfSykQ&p=https%3A//ch23.com&dtd=213
فضلًا عن الغرضية السياسية لماسك غير المتحمس للدعم الأميركي لأوكرانيا، والذي سبق له أن اقترح تخلي كييف عن بعض أراضيها لإرضاء موسكو، وعن نبوغه في الإختراعات والتقنيات الحديثة، فهو في نظر خبراء المال ليس مرجعًا صالحًا للبت في المسائل النقدية والتجارية، والأمثلة على عدم درايته في هذا الشأن كثيرة أبرزها قراره الشهير في شباط/ فبراير 2021 شراء ما قيمته 1.5 مليار دولار من العملة الرقمية “بتكوين” بسعر يفوق الـ 44 الف دولار لكل وحدة، ومباشرة قبول العملات الرقمية لشراء سيارات “تسلا” الكهربائية الحديثة، الا أن سوق العملات الرقمية ما لبث أن انهار لاحقًا ولم تسترجع “بتكوين” حتى الآن نصف قيمتها في الذروة، اما القرار الثاني فكان شراء منصة “تويتر” في الخريف الماضي بمبلغ 44 مليار دولار وادخالها في مخاض من الارتباك الذي لم ينته بعد، فيما انخفضت أسعار اسهم “تسلا” في غضون ذلك الى حوالي النصف. https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub-0616969811636074&output=html&h=280&slotname=1723096507&adk=976425411&adf=1033710482&pi=t.ma~as.1723096507&w=384&fwrn=5&fwrnh=100&lmt=1682935359&rafmt=1&format=384×280&url=https%3A%2F%2Fch23.com%2FArticle%2F66482%2F%25D8%25B5%25D8%25AD%25D8%25A9-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%2588%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25B1-%25D8%25A8%25D9%258A%25D9%2586-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A3%25D8%25B1%25D9%2582%25D8%25A7%25D9%2585-%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AB%25D8%25B1%25D8%25AB%25D8%25B1%25D8%25A9%3Futm_campaign%3Dnabdapp.com%26utm_medium%3Dreferral%26utm_source%3Dnabdapp.com%26ocid%3DNabd_App&fwr=0&rpe=1&resp_fmts=3&sfro=1&wgl=1&dt=1682935359728&bpp=1&bdt=238&idt=217&shv=r20230426&mjsv=m202304250101&ptt=9&saldr=aa&abxe=1&cookie=ID%3D8bdb3addf28a3892-223829b080dc003d%3AT%3D1682923275%3AS%3DALNI_MYh-64xWRx9AFAS1jdR_IimozfEtw&gpic=UID%3D00000c0e0ac86805%3AT%3D1682923275%3ART%3D1682923275%3AS%3DALNI_Mb9YRojB4wdb6ygvM56j1XAYsiMiA&prev_fmts=0x0%2C384x320%2C384x280&nras=1&correlator=3224947603307&frm=20&pv=1&ga_vid=1872597294.1682923275&ga_sid=1682935360&ga_hid=1465953778&ga_fc=1&u_tz=180&u_his=1&u_h=896&u_w=414&u_ah=896&u_aw=414&u_cd=32&u_sd=2&adx=15&ady=2647&biw=414&bih=804&scr_x=0&scr_y=0&eid=44759837%2C44759876%2C44759927%2C31071756%2C31073967%2C31074176%2C44788441%2C44789762%2C44789779&oid=2&pvsid=542779885993347&tmod=61392310&nvt=1&ref=http%3A%2F%2Fnabdapp.com%2F&fc=1920&brdim=0%2C0%2C0%2C0%2C414%2C0%2C414%2C804%2C414%2C804&vis=1&rsz=%7C%7CoeEbr%7C&abl=CS&pfx=0&fu=128&bc=31&ifi=4&uci=a!4&btvi=3&fsb=1&xpc=lMVWpDoIrA&p=https%3A//ch23.com&dtd=219
بالعودة الى المعطيات الاقتصادية التي تقرر في النهاية مرتبة كل عملة، كان الاقتصاد الأميركي غداة الحرب العالمية الثانية يفوق بقليل نصف الاقتصاد الكوني، وفي حين كان الإتحاد السوفياتي المنتصر يعتمد سياسة اشتراكية موجهة لا مجال فيها لإقتصاد السوق، انفردت واشنطن بترتيب النظام المالي الدولي، وحل الدولار الأميركي المرتكز على التغطية الذهبية مكان الإسترليني البريطاني كأداة تسعير دولية في مؤتمر برينتوود- كاليفورنيا (1944)، واستمر العمل بذلك حتى صيف 1971، عندما الغى الرئيس ريتشارد نيكسون التغطية الذهبية وحرر سعر الصرف كليًا لتلافي ضغط الديون والتضخم، والتزمت أطراف مؤتمر “برينتوود” بذلك في مؤتمر “سميسونيان” في واشنطن في الشهر الأخير من السنة نفسها.
ماليًا، شهد العقد الأخير من القرن الماضي حدثين بارزين الأول هو انهيار الإتحاد السوفياتي ودخول روسيا ودوله السابقة الى السوق العالمية ما بعد 1990، والثاني اعتماد العملة الأوروبية الموحدة الـ “يورو” 1999. وفي ظل العولمة الشاملة ونهوض المارد الاقتصادي الصيني إتسعت السوق العالمية الى اضعاف ما كانت عليه بعد الحرب مباشرة، وانحسرت نسبة الاقتصاد الأميركي الى 25% من الناتج العالمي، وبدأت انعكاسات ذلك تظهر تدريجيًا فانخفض نصيب الدولار من إحتياطات المصارف المركزية من 73% 2001، الى 59% 2020، ويتأرجح الآن حول 55% ويأتي الـ “يورو” بعيدًا في المرتبة الثانية بحوالي 20% والين الياباني ثالثًا 5%، فيما لا تتجاوز حصة العملة الصينية “رنميبي” وهي النسخة العالمية من الـ “يوان” الـ 3% جلّها في الصين نفسها.
يبلغ حجم الكتلة النقدية الأميركية الموضوعة في التداول الفعلي 2.324 تريليون دولار، فيما يبلغ الإحتياط العالمي بالدولار 6.471 تريليون حسب إحصاءات صندوق النقد الدولي للربع الأخير من العام الماضي، اما الناتج القومي الأميركي فيبلغ 25.460 تريليون، والدين العام يتجاوز الـ 31 تريليون، لكن حوالي 42% من المديونية تعود لهيئات حكومية مثل المصرف المركزي 19.7% والضمان الاجتماعي 9.2% وغيرهما، وحوالي 34% يعود للمصارف التجارية والقطاع الخاص، بينما يقتصر الدين الخارجي على24% )7.3 تريليون(، وتحل اليابان في المرتبة الأولى بين المدينين بنسبة 14.7% (1.076 تريليون)، تليها الصين بنسبة 11.9% (867 مليار)، بريطانيا 8.9% (655 مليار)، وتكلف خدمة الدين سنويًا بمعدلها الحالي حوالي 400 مليار دولار.
على الرغم من كل التحولات يحافظ الاقتصاد الأميركي على المرتبة الأولى عالميًا، الا أنه يواجه منافسة جدية من الصين التي لا تخفي طموحاتها الدولية ولا امتعاضها من الهيمنة الأميركية، وتعتمد في ظل قيادة تشي جينبينغ منذ 2013، سياسة مواجهة تهدف الى ترجمة نموّها الاقتصادي سياسيًا من خلال تعزيز حضورها في الساحة الدولية والتبشير بنظام كوني جديد وهذا ما يستقطب الكثير من الدول النامية وبدأ يتجسد في منظمة “بريكس” التي تضمها مع روسيا والبرازيل والهند وجنوب افريقيا والتي تثير الكثير من المقارنات مع مجموعة الدولة السبع والتكهنات ببروز تحالف دولي جديد يستبدل نفوذ التحالف الغربي في اسيا وافريقيا وجنوب اميركا، الّا أن نظرة واقعية على المؤسسة واعضائها تكشف بسرعة حجم العقبات الداخلية والإقليمية والسياسية التي تحول دون ظهور تيار دولي جديد، وهذا موضع بحث آخر.
حتى الآن يبدو ان الدولار وإن تراجع قليلًا في المحافظ الإحتياطية الدولية لا يزال قادرًا على الحفاظ على صدارة مريحة، وأسعار صرفه الحالية مقابل العملات الرئيسية مرتفعة ولن تؤثر فيها ثرثرات الأثرياء، فيما تبدو البدائل متعثرة أو متباطئة.