البستاني لـ”عكاظ السعودية”: لا خلاص للبنان إلا في مُصالحة العرب
وصف رئيس لجنة الاقتصاد في البرلمان اللبناني النائب فريد البستاني، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، بأنه “قائد عالمي” سيحدث الفرق في السياسة والتنمية والاقتصاد. وتحدث عن دوره في رسم مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
وشدد البستاني، في حوار خاص مع “عكاظ”، على ألا حل للأزمات التي يعاني منها لبنان وشعبه إلا بإطلاق مسار الإصلاح النقدي والاقتصادي عبر بوابة التعاون مع المؤسسات الدولية، مؤكداً على هويّة لبنان العربية من خلال إعادة الفعالية للعلاقات اللبنانية مع دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وشدد على ضرورة الالتزام باتفاق الطائف نصاً وروحاً واستكمال تطبيقه.
وأكد البستاني، أن “لا خلاص للبنان إلا في مُصالحة العرب»، مطالباً بتصحيح المسار عبر انتخاب رئيس جديد لإنهاء الفراغ الرئاسي.
وردًا على كيف ترون الطريق إلى إخراج لبنان من النفق الذي يواجهه الآن؟ أجاب: “أرى أنّ الأزمة اللبنانية هي تركيبة تعقيدات سياسية واقتصادية واجتماعية، ويمر لبنان في نفق كبير له مساران اقتصادي وسياسي، أخشى ما أخشاه أن يصبح نفقاً وجودياً، والخروج من هذا النفق يتطلب أن نعمل سوياً، إذ أثبتت التجارب أن في لبنان لا “غالب ولا مغلوب”»، ينبغي أن يكون لبنان الرابح الوحيد، ولن يكون لبنان رابحاً ما لم يتخذ اللبنانيون قرارهم بأيديهم عبر خطة تعافٍ مالية واقتصادية قبل نهاية الأزمة السياسية المتمثلة راهناً بالفراغ الرئاسي”.
وأضاف، “تصحيح المسار يبدأ من انتخاب رئيس جديد للبنان نظيف الكف والخُلق، يتوافق عليه مختلف الأفرقاء المحليين، يحظى بالغطاء العربي والدولي ضمن سلة متكاملة تشمل فريق عمل حكومياً وإدارياً وثوابت سياسية تحفظ هوية وسيادة لبنان. هذه هي أداة الحكم الرشيد، بالتعاون مع رئيس للحكومة لا شبهة أو لوثة فساد سياسي أو مالي تشوب ماضيه”.
وما المطلوب من المجلس النيابي في هذا الشأن؟ قال البستاني: “على المجلس النيابي الذي ينتخِب الرئيسين، أن يتعاون معهما لإقرار البنود الإصلاحية ولوضع الخطة الاقتصادية والإنقاذية الجدية موضع التنفيذ بدعم من الأطراف السياسية كلها، ويقع على عاتق العهد الجديد إنجاز كل القوانين الإصلاحية التي تصحح مساراً أعوج مستداماً قضى على الاقتصاد الوطني وفرص النمو وأنهك النظام المالي والمصرفي وأفقر اللبنانيين وبدّد أموالهم وودائعهم وجنى عمرهم وسرق أحلامهم بوطن أفضل. وهذه الخطة يجب أن تتضمن، طبعاً، انفتاح لبنان على المحيط العربي القريب أو البعيد والمحيط الاقليمي أي تركيا وإيران والخليج العربي وفي مقدمه المملكة العربية السعودية، فلبنان للأسف يدفع دائماً ثمن الخلافات الإقليمية، فهو لا يمكن أن يحيا دون التفاهم مع محيطه، وإذا كان محيطه في تفاهم مع بعضه بعضاً فإن الأمور سوف تكون ذاهبة للأحسن، وبحسب الوضع اليوم فالمحيط الإقليمي يعيش فترة تفاهم وتهدئة وحل للمشكلات، ونأمل أن يكون لبنان جزءاً من هذه الحلول”.
على المستوى السياسي، ما المطلوب لإصلاح علاقات لبنان العربية وخصوصاً الخليجية؟ أكد أن “المطلوب أولاً: انتخاب رئيس توافقي مؤهل لبناء جسور الثقة مع محيطنا العربي والخليجي. لذلك لا أحبذ فكرة انتخاب رئيس «كيف ما كان»، لمجرد الرغبة في ملء الفراغ. على الرئيس التوافقي أن يتحلى بالصفات والمؤهلات التي تمكّنه من رسم برنامج عمل واضح وعلمي لإعادة الربط مع المحيط، مع إدراكنا يقيناً، أن لبنان لا يستطيع العيش خارج محيطه الذي يشكل له الرئة الحيوية والمتنفّس الضروري المأمون والموثوق فيه. تماماً كما على الرئيس أن يتمتع بثقة عربية ودولية، وأن يكون ذا سيرة أخلاقية وسياسية ومهنية مشرفة، لا يخجل حاضره من ماضيه، وقادر على اتخاذ القرارات الجريئة”.
وتابع، “المنطقة الآن ذاهبة نحو تبريد وتصفير المشكلات، وهو وقت مناسب لتحسين علاقة كل لبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي، لأن كثيراً من اللبنانيين في عز الأزمة المُؤسفة مع الخليج لم يكن لديهم مشكلة معه مثلما لم يكن للبعض الآخر مشكلة مع إيران، فالمطلوب أن ينهي اللبنانيون مشكلاتهم مع كل الدول المجاورة، وأن يحافظوا في الوقت نفسه على استقلاليتهم وعلاقاتهم الجيدة مع كل البلدان المعنية بالشأن اللبناني، ويحافظوا على خصوصية كل بلد من هذه البلدان، ويطلبوا بدورهم من كل بلد أن يحترم خصوصيتهم ولا يتدخل في شؤونهم الخاصة، كما نص اتفاق بكين بين المملكة وإيران، فلبنان له تركيبة خاصة فيها مزيج من التيارات والطوائف، والذي ينبغي أن يوحدهم ويجمعهم هو حب الوطن الذي يعيشون فيه”.
هل يستطيع لبنان أن يكون ضمن الشرق الأوسط الجديد الذي تحدّث عنه الأمير محمد بن سلمان؟ قال البستاني: “لبنان في صلب الشرق الأوسط الجديد جغرافياً ووجدانياً وشعبياً، ولا أكشف سراً إن قلت إن ثمة إعادة تشكيل للنظام العالمي وفق قواعد جيو سياسية – مصلحية جديدة، فرضتها التطورات المتسارعة، بدءاً من الأزمة الصحية العالمية (كورونا)، وليس انتهاءً بالحرب الروسية – الأوكرانية، التي غيّرت الكثير من المفاهيم والإستراتيجيات والأولويات، والشرق الأوسط الجديد الذي وصفه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو شرق أوسط منفتح ومتصالح مع نفسه ومع جواره، يعمل على إنماء الإنسان وتطوير البلدان وخلق فرص عمل ليصبح الشرق الأوسط منافساً جدياً في الساحة الدولية اقتصادياً، سياسياً وإنمائياً”.
وأردف: “من ضمن خطة الأمير محمد بن سلمان نزع فتيل الخلافات في المنطقة، مع إيران وغيرها، وبدأ العمل على ذلك وأصبحنا اليوم في مكان ما نشهد تطوراً في العلاقة الإيجابية بين المملكة العربية السعودية وإيران. هذا ما تحدث عنه ولي العهد، بالشرق الأوسط الجديد ولبنان بأطيافه وتوجهاته هو في صلب هذا الشرق، وحتى سورية تم إدخالها إليه، وما عودة العلاقة السعودية والخليجية إلى سابق عهدها إلا دليل على ذلك”.
وأكمل قائلاً :لقد بنت المملكة العربية السعودية إستراتيجياتها المستقبلية ورؤية 2030 على ثلاثة محاور رئيسية “مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح”، ترمي إلى “الوصول إلى مجتمع يعيش كل مواطن فيه حياة سعيدة ومُرضية بمستوى معيشي يضمن بيئة صحية وآمنة للعائلات، ويوفر التعليم والرعاية الصحية بمستوى عالمي”. هذا الهدف مشترك بين كل الشعوب، ومن البديهيات التي يجب أن تحكم أي عمل انتظامي”.
وأضاف، “تأسيساً على كل ذلك، يُصبح لزاماً علينا كدول عربية أن نفعّل تعاوننا بدءاً من تصفير مشكلاتنا قدر الإمكان لكي نتمكّن من التأسيس لمستقبل واعد من العمل المشترك الحقيقي والفاعل والحي القائم على التفاعل في سياق من الديناميات المتحرّكة التي تأخذ في الاعتبار أولاً رفاه شعوبنا واستقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهذا ما أعتقد أنه يشكّل جوهر الشرق الأوسط الجديد، “أوروبا الجديدة” التي نادى بها الأمير محمد بن سلمان”.
على المستوى النقدي، كيف تنظر إلى طريق الإصلاح، وما المطلوب بداية؟ أجاب البستاني: “الأزمة ليست نقدية فقط لكن اقتصادية أيضاً، وعلينا أن نفرق بين المشكلة النقدية والمشكلة الاقتصادية، فالنقدية هي تدهور قيمة الليرة مقابل الدولار، واستعادة أموال المودعين في المصارف التي تم استعمالها لتمويل الدولة والدعم وكذلك لتمويل الفساد”.
وتابع، “أما المشكلة الأساسية اليوم، فهي مشكلة الاقتصاد البنيوي، ويجب العمل ضمن خطة إرساء اقتصاد منتج ولكن لا يمكن أن نهمل الخدمات والاقتصاد الريعي الذي يجب تطويره”.
وزاد البستاني: “كما يجب إعادة لبنان إلى زمن جذب رؤوس الأموال للاستثمار في الخدمات السياحية والتكنولوجية من خلال إرساء اقتصاد التكنولوجيا، لأننا نخرّج سنوياً آلاف الأشخاص الذين يعملون في قطاع التكنولوجيا في العالم العربي، وإذا تأمّن لهؤلاء عمل في لبنان بدخل محترم فسيبقون فيه من خلال تطوير الإنترنت وتسريعه واستحداث القوانين التي تحفز الاستثمار في قطاع التكنولوجيا و”START UPS” (الشركات الناشئة). ولكن اليوم، الحلول تبدأ من “IMF” (صندوق النقد الدولي)، من كيفية إنفاق الأموال بطريقة منتجة، وبتأمين الكهرباء ليتمكن اللبنانيون من أن يكونوا منتجين، ومن خلال طرح الإصلاحات البنيوية والمالية وتخفيض إنفاق الدولة الذي يتجسد في عدم تخفيض الرواتب، بل بالاستغناء عن الموظفين الذين يتقاضون معاشاتهم ولا يعملون، وغير الأكفاء. وإذا لم نواجه المشكلة بشكل مباشر، فلن نتوصل إلى حل، فالحل هو بإطلاق شراكة مع القطاع الخاص في القطاعات كافة، كالقطاع الخليوي وغيرها وبصرف الأموال على المشاريع المنتجة وليس على المشاريع الوهمية التي لا تعود بالفائدة على الدولة، ضمن خطة موحدة بين رئيس الجمهورية والحكومة وبتسهيل وتعاون من مجلس النواب”.
كيف ينبغي معالجة موضوع سلاح حزب الله؟ قال: “لا شكّ أن سلاح الحزب من الإشكاليّات الكبرى المطروحة لبنانياً، مع إدراك الجميع – داخلياً وخارجياً – أنه مسألة ليست محلية فحسب ولا يقتصر القرار فيها على اللبنانيين. لكن هذا لا يسقط مسؤوليتنا عن ضرورة وضع إطار لهذا السلاح في سياق إستراتيجية دفاعية وطنية ناظمة محدّدة الأهداف والمرامي لا امتداد خارجياً له، بحيث يكون السلاح في إمرة الوطن للدفاع عنه حصراً في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي”.
وأوضح إننا “من المعوّلين على أن تشكل الدينامية الحوارية في المنطقة، وحجر رحاها الاتفاق السعودي – الإيراني، فرصة لتسوية كل الترسّبات اللبنانية المتأتية من صراعات الخارج، بحيث نستطيع جمع شتاتنا وبدء مسيرة التعافي في إطار دولة قوية متصالحة مع ذاتها ومع الخارج”.
هل تعتقد أن اتفاق الطائف لا يزال صالحاً؟ أجاب: “لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال طالما هذا الاتفاق لم ينفذ كلياً، الحاصل أن الكل يلوم الكل لعدم تنفيذه، لكن النتيجة واحدة وهي أن هذا الاتفاق لم يطبق. هناك الكثير من بنوده لم تدخل حيز التنفيذ، لذا لا يمكنني أن أحكم عليه طالما لم ينفذ. من هنا أنطلق إلى موضوع صلاحية اتفاق الطائف. يمكنني القول، إن “الطائف” حتى الآن هو الاتفاق الذي أنهى 15 عاماً من الحرب الداخلية في لبنان، وأنا لا أسميها حرباً أهليةً بالمعنى المتعارف عليه بل حرباً داخليةً لأنه تدخل فيها الداخل والخارج والإقليم كما يسميها البعض حرب الآخرين”.
وأردف، “بدلاً من التفكير كيف يطبق الاتفاق ويطور لكي يجسد الهدف منه، تراءى للبعض ألا يطبقه، فيما بعض ثانٍ توقف عن تطبيقه، وبعض ثالث نفذ قسماً منه، وبعض أخير فسّره على طريقته. لكنّ “الطائف” نصه واضح، ويلحظ أموراً كثيرةً لم تنفذ كاللامركزية الإدارية وما يترتب عنها، وإلغاء الطائفية والذهاب إلى دولة مدنية. فلا يمكننا الإبقاء على الطائفية في النصوص، ونلغيها فقط في السياسة، بل يجب أن تلغى على كل الأصعدة”.
وختم البستاني، بالقول: نحن أمام تحدٍّ كبير، على اللبنانيين أن يراجعوا مواقفهم ويتفقوا على طريقة إدارة لبنان من خلال “الطائف” ومن خلال تطويره وتنفيذه. أما في حال تخلفوا، فيكونون قد حكموا على أنفسهم بالإعدام. بل المسؤولون عندها لا يكونون قد حكموا على أنفسهم فقط بالانتحار بل بإعدام جماعي لشعب بأكمله”.
ليبانون ديبايت