واشنطن “تكسر الصمت”.. كيف يُقرَأ موقفها من الاستحقاق الرئاسي

واشنطن “تكسر الصمت”.. كيف يُقرَأ موقفها من الاستحقاق الرئاسي

كسرت الولايات المتحدة “صمتها”، إن جاز التعبير، إزاء الاستحقاق الرئاسي، فحضّت على لسان المتحدّث باسم وزارة خارجيتها ماثيو ميلر، القيادات السياسية على “التحرك بشكل عاجل” لانتخاب رئيس للجمهورية، وذلك “لتوحيد البلاد وإقرار الإصلاحات المطلوبة على وجه السرعة من أجل إنقاذ الاقتصاد من أزمته”، داعية قادة لبنان إلى “وضع مصالح بلدهم وشعبهم فوق مصالحهم وطموحاتهم الشخصية”.

وإذا كانت الولايات المتحدة جزءًا من الحراك الدولي حول الوضع في لبنان، والذي يضمّ إلى جانبها، كلاً من فرنسا والسعودية وقطر ومصر، فإنّ موقف ميلر جاء معبّرًا لجهة تأكيده على أنّ “الحلول لأزمات لبنان السياسية والاقتصادية يمكن أن تأتي فقط من داخل لبنان وليس المجتمع الدولي”، مع تشديده في الوقت نفسه، على أنّ “لبنان يحتاج إلى رئيس متحرر من الفساد، وقادر على توحيد البلاد”.

ولأنّ هذا الموقف جاء على وقع ما يُحكى عن حراك عربي ودولي متجدّد، يراهن عليه الكثير من اللبنانيين، فإنّه طرح الكثير من علامات استفهام، فهل “يتناغم” أم “يتناقض” في جوهره مع ما يُحكى عن مبادرة فرنسية، قيل إنّها منسّقة مع السعوديين والأميركيين؟ وما الذي يعنيه هذا الموقف في العمق، ولا سيما أنه يأتي أيضًا بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت؟!

موقف “متناغم”

يقول العارفون إنّ الموقف الأميركي من الاستحقاق الرئاسي لم يكن “مفاجئًا”، وهو لم يحمل بين طيّاته أيّ “جديد” من الناحية العمليّة، فهو جاء “متناغمًا” مع الموقف الدولي “الثابت”، والقائم على فكرة أنّ الكرة هي أولاً وأخيرًا في ملعب القادة اللبنانيين، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم قبل الغد، من أجل إطلاق ورشة الإنقاذ الموعودة، في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.

بهذا المعنى، فإنّ الموقف الأميركي ينسجم مع المعادلة التي يرفع لواءها المجتمع الدولي، وكان الفرنسيّون أول من أطلقوها، تحت شعار “ساعدونا لنساعدكم”، بمعنى أنّ الحلّ الفعليّ للأزمات لا بدّ أن ينطلق من الداخل بالدرجة الأولى، بعيدًا عن “التوهّم” بأنّ القوى الدولية ستنوب عن اللبنانيين، فتلعب الدور المنوط بهم، وتنتخب الرئيس بالوكالة عنهم، في ظلّ “ترابط” لا لبس فيه بين الأزمتين السياسية والاقتصادية.

وفي وقت كانت لافتة إشارة المتحدّث باسم الخارجية الأميركية إلى حاجة لبنان إلى رئيس “متحرّر من الفساد وقادر على توحيد البلاد”، والتي فسّرها كلّ فريق وفقًا لأهوائه وتطلعاته، فإنّ العارفين يعتبرون أنّ هذه المواصفات “تتطابق” أيضًا مع الرؤية الدولية للرئيس العتيد، بمعزل عن انتمائه السياسي، في ضوء قناعة محلية ودولية بأنّ “الإصلاح ومحاربة الفساد” يفترض أن يكون عنوان “العهد” المقبل بصورة أساسيّة.


“ضربة” للمساعي الفرنسية؟

بكلام آخر، تبدو “الرسالة الأميركية” واضحة، فالكرة كانت ولا تزال في ملعب المسؤولين اللبنانيين الذين يجب عليهم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في أسرع وقت ممكن ومن دون تأخير، على أن يكون الرئيس العتيد قادرًا على توحيد البلاد، بما يتيح له إطلاق مشروع “الإنقاذ”، والمباشرة بتطبيق الإصلاحات، بناءً على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بما يفتح الباب أمام “الإفراج” عن المساعدات الدولية.

 لكن، كيف يمكن تفسير هذا الكلام، بالمعنى “الأعمّ”، إن جاز التعبير؟ هل “تتناقض” الرؤية الأميركية للحلّ في لبنان، مع آراء “شركائها” الدوليين، ولا سيما الفرنسيّين، الذين يقودون مسعى “وفاقيًا”، وثمّة من يعتبر أنّهم “يسوّقون” لترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية؟ يجيب العارفون بالنفي، فلا “تناقض بالمطلق” بهذا المعنى، باعتبار أنّ ما يقوله الأميركيون يقوله الفرنسيون أيضًا، الذين يحصرون حراكهم بـ”المساعدة”، ليس إلا.

ويشير هؤلاء إلى أنّ الأميركيين هم جزء من الحراك الدولي حول لبنان، بمعزل عن مدى “التطابق” في الموقف مع الفرنسيّين أو غيرهم، وبالتالي فإنّ موقفهم يُعتبَر “مكمّلاً” للموقف الفرنسي، لا “مناقضًا” له، علمًا أنّ الأوساط السياسية تتحدّث عن لقاء دولي جديد مرتقب حول لبنان في الأيام المقبلة، قد يسبق القمة العربية المرتقبة في السعودية هذا الشهر، والتي يبني عليها كثيرون لتحقيق “الانفراجة” على الساحة اللبنانية.

لم يكن منتظَرًا أن يخرج الأميركيون في العلن بأيّ موقف “مغاير” للذي أطلقوه، تمامًا كما لا يتوقع من الفرنسيين أو غيرهم التسويق لمرشح محدّد، وهو ما نفته باريس أصلاً في وقت سابق. لا يعني ذلك أنّ الحراك الدولي حول لبنان ليس “نشطًا”، لكنّ الأكيد، وفق العارفين، أنّ المطلوب من اللبنانيين أن “يتلقّفوه” قبل فوات الأوان بما يسمح بنجاحه، لأن أيّ حراك لا يترافق مع إرادة داخلية بالحل، محكوم بالفشل، وهنا بيت القصيد! 

لبنان 24

Exit mobile version