قصّة إنسانية من لبنان.. هكذا تحدّت “لطيفة” بـ”عربة الخضار” الواقع الصعب
لطالما كانت مهنة بيع الخضار على العربات الخشبية في لبنان محصورة بالرجال لحاجتها إلى قوة ومجهود عضلي، إلا أن السيدة “لطيفة أحمد” كسرت تلك القاعدة بعدما فقدت عملها في أحد مشاغل الخياطة.
لطيفة (50 عاما)، سورية من محافظة إدلب (شمال)، تعيش في العاصمة اللبنانية بيروت منذ نحو 30 عاما، كانت تعمل في مشغل خياطة قبل أن يُغلق أبوابه إثر أزمة اقتصادية تضرب البلاد منذ سنوات.
لكن السيدة السورية لم تستسلم للواقع الصعب، فخلال مقابلة مع “الأناضول”، أوضحت أنها قررت السعي وراء لقمة عيشها عبر بيع الخضار على عربة خشبية، في مشهد لا يألفه كثيرون في لبنان.
حي فقير
منذ سنوات تعيش لطيفة، بعدما انفصلت عن زوجها، وحيدة في منزل قريب من سوق الخضار المركزي الواقع ضمن أحد الأحياء الشعبية الفقيرة في العاصمة بيروت.
يوميا، تملأ السيدة السورية عربتها الخشبية بالخضار على أنواعه من السوق، وتدفعها أمامها في الشوارع والأحياء بحثا عن مشترٍ.
في حديث عبر وكالة “الأناضول”، أوضحت لطيفة أنها “تعمل لكي تعتمد على نفسها في تأمين كلفة إيجار منزلها، ولقمة عيشها من طعام وشراب”، مؤكدة أن “الحياة تتطلب منا العمل، ولا تخلو من العذاب”.
ولفتت الى أنها “لجأت إلى بيع الخضار، بعدما عجزت عن إيجاد عمل عقب إقفال أبواب مشغل الخياطة التي كانت تعمل فيه”، مؤكدة أنها “ما زالت متمسكة بالأمل والصبر”.
وعن المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية للاجئين، قالت إنها “لا تتلقى أي مساعدات، بالرغم من أنها تقدمت بطلب لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان”.
ويعيش في لبنان حوالي 2 مليون نازح سوري، بحسب الأمن العام اللبناني، أما عدد المسجلين منهم لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيبلغ نحو 880 ألفاً فقط، ويتلقون مساعدات مالية وعينية.
ad
زبائن دائمون
وفي ما يتعلق برضاها عن مهنتها الجديدة، أوضحت لطيفة أنها اعتادت على بيع الخضار والاعتماد على نفسها، ولم تعد تفكر في البحث عن “وظيفة روتينية”، خصوصا أنه بات لديها “زبائن دائمين يقصدونها أينما كانت”.
وذكرت أن من مميزات مهنة البائع المتجول، أنه “لا أوقات محددة لساعات العمل اليومي بالنسبة لها”، وأنها “تتجول في الشوارع حتى تبيع بقدر ما يكفيها من المال لمصروفها اليومي”.
ويعمل في بيع الخضار في بيروت، باعة من جنسيات مختلفة، لبنانية وفلسطينية وسورية، عبر بسطات وعربات أغلبها عشوائية غير مرخص لها من قبل البلدية، التي كثيراً ما تهدد بإزالتها أو مصادرتها.
وعادة لا يحصل باعة الخضار الجائلون على دخل يومي ثابت، إذ يرتبط خروجهم للعمل بالظروف المناخية والقدرة الصحية، فضلا عن غياب الدخل في الأيام التي لا يعملون بها، إضافة إلى غياب التأمين أو الرعاية المناسبة لهم.
ويعاني لبنان قلة فرص العمل، لا سيما بعد هبوط العملة المحلية مقابل الدولار بنسبة تتعدى 90 بالمئة بين 2019 و2023، وانهيار قيمة الرواتب، وإغلاق مؤسسات عديدة، لترتفع البطالة إلى 40 بالمئة، وفق إحصائيات غير رسمية.
منافسة حامية
وعن التحديات والعقبات التي تواجهها، شكت لطيفة من أن “كثيراً من بائعي الخضار الجوالين يمتعضون منها، ويخشون أن تنافسهم على الزبائن”، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد.
وأشارت الى أن كثيراً من أصحاب العربات يوجهون لها سؤالا: “كيف تعملين بهذا المجال وأنت امرأة؟، وكيف تستطيعين جرّ العربة؟ هذا يتطلب قوة جسدية”، في إشارة إلى التكوين الجسدي للمرأة وكتلة عضلاتها.
وأوضحت لطيفة، أنها “اعتادت مثل تلك الأسئلة من الآخرين، وأكثر من ذلك، فقد أرشدت العديد من الرجال على طريقة العمل في بيع الخضار، وباتت ملهمتهم”.
ولفتت الى أن “بيع الخضار على عربة خشبية جوالة، يتطلب معرفة الأماكن التي يجب الوقوف بالعربة فيها، ونقاط البيع الأكثر نشاطا في الأحياء الشعبية”.
(الأناضول)