درج”: كارمن كريم – صحفية سورية
يعيش السوريون في لبنان أسوأ أيامهم، وسط مستقبلٍ ضبابي، يكلله تطبيع عربي مع نظام الأسد الديكتاتوري، ومناوشات تركية لن تظهر نتائجها إلا بعد الانتخابات، وكأن نظام الأسد ما انفكّ أن يكون المتحكّم بمصائرهم.
عادت المداهمات الأمنية بحق اللاجئين السوريين في لبنان مجدداً، واستهدفت هذه المرة مناطق غزة و شمسطار في البقاع، رغم وعود الجيش اللبناني بإيقاف حملة التوقيف والترحيل للسماح بتسوية أوضاع السوريين من أصحاب الإقامات منتهية الصلاحية، في ما يبدو تخبطاً في الاستراتيجية التي تتبناها السلطة اللبنانية في التعامل مع ملف شائك وشديد الحساسية.
بحسب مفوضية الأمم لشؤون اللاجئين، تزايدت عمليات الترحيل الجماعي بحق اللاجئين السوريين، وتضمنت اعتقال ما يقارب 1501 سوري خلال الأسابيع الأخيرة، في حين تم تأكيد ترحيل ما لا يقل عن 712 منهم. كما لوحظت زيادة في عدد المداهمات لسوريين في كلّ من جبل لبنان وشمال لبنان ومناطق أخرى من ضمنها الشمال، الجنوب والبقاع. ولغاية شهر نيسان/ إبريل الحالي، علمت المفوضية بما لا يقل عن 73 مداهمة تم تأكيدها، كما تلقت أيضاً تقارير عن سوريين محتجزين بهدف ترحيلهم في ما بعد، من بينهم من هو معروف ومسجّل لدى المفوضية، التي قالت إنها تتابع الموضوع مع الجهات المعنية، داعية إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية.
الحل ليس في رحيل السوريين
حملة إعلامية وسياسية هي الأشرس منذ أكثر من عقد ضد اللاجئين في لبنان، هذا البلد الصغير الذي استقبل اللاجئين منذ السنة الأولى للثورة السورية وما تبعها من عمليات قتل واعتقال مارسها نظام الأسد على مرأى من العالم، وكانت حينها الحكومة اللبنانية قد منحت القادمين الحق في الإقامة بأي منطقة في لبنان، ولم توافق على إقامة مخيمات نظامية مقابل وصول المساعدات الإنسانية للسوريين واللبنانيين على حد سواء.
لكن بعد 12 عاماً، ظهرت نتائج فشل الحكومة اللبنانية في التعامل مع أزمة اللجوء من خلال عدم مباشرة أي خطة عملية لتنظيم هذا الوجود. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الأزمات الكبيرة التي يعيشها اللبنانيون، من انهيار اقتصادي هو الأعنف، مع طبقة سياسية فاسدة تشكّل خلطة من المأساة التي تنعكس على حياتهم.
مداهمات تمييزية وترحيل تعسّفي
يعيش السوريون في لبنان أسوأ أيامهم، وسط مستقبلٍ ضبابي، يكلله تطبيع عربي مع نظام الأسد الديكتاتوري، ومناوشات تركية لن تظهر نتائجها إلا بعد الانتخابات، وكأن نظام الأسد ما انفكّ أن يكون المتحكّم بمصائرهم. وبحسب بيان أصدرته 20 منظمة محلية وإنسانية، يوم 11 آيار/ مايو، فمنذ بداية نيسان/ أبريل، نفّذ الجيش اللبناني مداهمات تمييزيّة لمنازل يقيم فيها لاجئون سوريون في أحياء في كلّ أرجاء لبنان، بما في ذلك جبل لبنان وجونية وقب إلياس وبرج حمّود، ثمّ رحّل معظمهم على الفور.
طالبت المنظمات بوقف ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان. وجاء في البيان، أن الجيش اللبناني رحّل أخيراً مئات السوريين بموجب إجراءات موجزة إلى بلادهم، حيث يواجهون خطر الاضطهاد أو التعذيب، وقال البيان: “بدلاً من تبنّي إصلاحات ضرورية للغاية، عمدت السلطات إلى استخدام اللاجئين ككبش فداء للتغطية على إخفاقها، من دون وجود ما يبرر إخراج مئات الرجال والنساء والأطفال من أسرّتهم بالقوة، في ساعات الصباح الباكر، وتسليمهم إلى الحكومة التي فروا منها”. كما دعت المنظمات إلى الامتناع عن فرض تدابير تمييزية واستخدام عبارات مهينة ضد اللاجئين السوريين، واحترام الأصول القانونية، والتأكد من أن كل من يواجه خطر الترحيل لديه فرصة لمقابلة محامٍ، ومقابلة المفوضية، والدفاع عن حقه في الحماية من الترحيل أمام محكمة مختصّة، كما طالبت المحاكم بحظر أي ترحيل يرقى إلى الإعادة القسرية. ومن المنظمات المشاركة في البيان، “هيومن رايتس ووتش”، “العفو الدولية”، “المركز اللبناني لحقوق الإنسان”، “النساء الآن”، “والمركز السوري لحقوق الأنسان”.
معلومات مغلوطة وتهديدات بالإعادة القسرية
تتّسم الحملة المنظمة ضد اللاجئين السوريين بنشرها معلومات مضلّلة كثيرة ابتداءً من أعداد اللاجئين وصولاً إلى تفاصيل حياتهم.
على سبيل المثال، خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قال مدير الأمن العام اللبناني حينها، عباس إبراهيم، إن في لبنان مليونين و80 ألف “نازح” سوري، لكنه رقم أكبر بكثير من الرقم الذي صرح به الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، في 13 تموز/ يوليو 2022، وهو 1.5 مليون لاجئ سوري. وتطاول المعلومات المغلوطة جوانب تمسّ سلامة اللاجئين وآمانهم، إذ يروّج الإعلام اللبناني لمعلومات تفيد بأن الوضع الأمني بات جيداً في سوريا، متجاهلاً بشكل كامل دور النظام في قتل آلاف المدنيين وتشريدهم، كما يتجاهل أن إعادة اللاجئ إلى النظام ذاته الذي هرب منه ستدفعه الى الهرب مرة أخرى بأي ثمن، وهو ما يشكل دليلاً على الغوغائية في سياسة تعامل السلطة اللبنانية مع ملف اللجوء السوري.
تهديدات بالإعادة القسرية أو الطوعية تطاول السوريين في دول الجوار الأخرى، بما فيها الأردن وتركيا، فعودة ألف لاجئ من الأردن إلى سوريا ليست إلا خطوة أولى تبشر بنتائج الاجتماع التشاوري الذي أقيم قبل أسبوع في الأردن. أما في تركيا، فهدّد مرشح الرئاسة التركي عن حلف المعارضة كليجيدار أوغلو، الاتحاد الأوروبي بإرسال اللاجئين السوريين إلى أوروبا في حال عدم تقديم الدعم اللازم لإعادتهم الى سوريا، قائلاً: “إن لم يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم اللازم، فلن أحتفظ بهؤلاء الناس هنا، بل سأفتح الحدود وليذهبوا الى أي مكان يريدونه”.
في لبنان، تستمر حملة المداهمات والترحيل القسري للأسبوع الرابع، وهي تُعتبر الأعنف منذ عام 2011. أما وزير خارجية مصر سامح شكري، “فيتطلع إلى طي صفحة سوريا الحزينة”، في تعبير شاعري يغطّي على دموية النظام ويحيل الحزن إلى طبيعة سورية غير معروفة، الجميع يتحدث عن عودة اللاجئين وكأنه قرار يمكن اتخاذه ببساطة وتطبيقه من دون وجود أي معوقات حقيقية تهدد حياة اللاجئين.
يدور هذا كله وسط تعويم وقح لنظام الأسد، كانت نتيجته عودته إلى الجامعة العربية، من دون تغيير في سياسة تعامل نظام الأسد مع السوريين، الذين لا يزال الآلاف منهم معتقلين أو مخفيين قسراً، ولا يزال الكثير منهم يتعرضون للاعتقال، بشكل تعسفي، بمن فيهم المعادون قسراً من لبنان.
تتعامل دول الجوار مع قضية اللجوء السوري بما يحقق لها مكاسب سياسية، متجاهلة الشق الإنساني والأخلاقي بشكل كامل، ويتسبب الضغط الذي تمارسه هذه الدول في دفع اللاجئين الى المخاطرة وركوب البحر، في رحلة أخيرة يائسة باتجاه حياة كريمة.