يروي سالم الجميلي، مدير شعبة أميركا في المخابرات العراقية، للأستاذ غسان شربل، رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط»، أنّ العراق دفع للجنرال ميشال عون، عندما كان رئيساً للحكومة الانتقالية وقائداً للجيش 11 مليون دولار ليشنّ في آذار من العام 1989 حرباً ضد الوجود السوري في لبنان. وذلك لأنّ عداوة مستحكمة كانت قائمة بين الرئيسين الراحلين صدام حسين وحافظ الأسد، وكانت التفجيرات والاغتيالات متبادلة بين الطرفين في معركة كسر عظم استخدمت لبنان ساحة، لتَوَفُّرِ من يقبض الثمن ويُغرق دنيانا في بحور الدم غير عابئ بالشعب المذبوح.
فمن أغدق الأموال والسلاح على الجنرال، إنما فعل ذلك لغايته الخاصة على حساب لبنان واللبنانيين. وعون ليس الوحيد الذي حصل على مالٍ وفير وأسلحة مدمرة، فقط لينفّذ مشاريع الآخرين على أرض لبنان، فالمسلسل كان ولا يزال مستمراً… وحال البلد من سيئ إلى أسوأ.
لكن، ربما لا يقع الذنب فقط على الجنرال، أو غيره من الأحزاب والميليشيات التي غلَّبت وتُغَلِّب مصالح مموّليها وأرباب أمورها على المصلحة اللبنانية دولة وشعباً، وتُنشِئ كيانات من خارج الشرعية لتقود مشاريع أصحاب الوصاية عليها وعلينا، ما دام هناك من يؤيدها وينتخبها ويهتف باسمها ويردد «بالروح بالدم نفديك يا زعيم»، والّا لما فرط البلد وصار فتاتاً ينأى عنه المجتمعان العربي والدولي.
وليس أدل على مسؤولية اللبنانيين عما لحق بهم بفعل استمرارية القوى ذاتها المتورطة بالدم والقتل والارتهان لخارج ممول، أكثر من إدلائهم بأصواتهم لصالح هذه القوى في الانتخابات النيابية التي انقضى عامٌ على إجرائها لتفرز مجلساً، وتبقي الغلبة فيه لها لتواصل تحقيق أهداف هذا الخارج في الحرب وفي السلم، لتتابع مسيرتها بعد اتفاق الطائف وتتحكم بلبنان وسيادته حتى ينزلق من سيئ إلى ما هو أسوأ.
فالشعب اللبناني وبأكثرية ملحوظة، ما زال على حاله، وكأنّ الكوارث والويلات ومواسم القتل والإفقار والاستغلال وسرقة المال العام لم تقع على رأسه. لم تنتقل هذه الأكثرية على ما يبدو من مقام الانقياد الأعمى خلف هذا الزعيم الطائفي أو ذاك، إلى مقام المواطن الذي يحاسب كلّ مسؤول عما ارتكبه بحقه وحق المال العام.
وكأن لا شيء يستدعي من هذا اللبناني التوقف عند ما كان يرويه شهود عيان ممن عايشوا تلك المرحلة الدامية بين حربيْ «التحرير» و»الإلغاء» عن أنّ المال العام الذي كان متاحاً تحوّل من خزينة الدولة إلى خزنة خاصة، هذا عدا المساعدات العينية التي أغدقها مريدون يحلمون بوطن موعود ينتشلهم من الحرب وميليشياتها، حينذاك على الجنرال، حتى أن النساء كن ينتزعن أساورهن الذهبية ويقدمنها له… وكل ذلك لم يغيّر في مصير لبنان شيئاً.
لا شيء تغيّر، وإن تغيّر فبنسبة لا تقلع مسؤولاً برهن وبالمحسوس، أنّه كان ولا يزال أعجز عن التغيير وأقدر على تغيير الولاء والانتقال البهلواني من العراق إلى إيران عبر «حزب الله» والتصالح مع النظام الأسدي، وصولاً إلى قصر بعبدا، ليواصل التمتّع بالسلطة والنفوذ ومراكمة الثروات من الصفقات والمال العام بفعل الانقياد الشعبي الأعمى الطائفي أو بفعل الاستزلام والانتفاع.
فالأكثرية الموالية لهذا الزعيم أو ذاك، لم تغيّر ما في نفسها، وها هي تواصل مسيرتها إلى جهنم راضية مرضية، بعدما أعادت الطبقة السياسية ذاتها بفسادها واستهتارها بالمصلحة العامة وبالحقوق الدنيا للدولة والشعب والمؤسسات لأي بلد.
وبالطبع لن تتوقف هذه الأكثرية، سواء من مريدي الجنرال أو من خصومه، عند مسألة حصوله على 11 مليون دولار من صدام حسين، لأنّ بيوت الزعماء من زجاج.
نقلاً عن نداء الوطن