المعارضة تترنّح… فشل المفاوضات المسيحية – المسيحية
دخلت المفاوضات بين قوى المعارضة المسيحية منعطفاً خطيراً مع عودة اثنين من القوى الأساسية الثلاث إلى مربع التلويح بتعطيل انعقاد جلسة الإنتخابات الرئاسية، وعدم المشاركة في حال الدعوة إليها. يعني ذلك أن المفاوضات الجارية بين تلك القوى للتوافق حول إسم مرشّح موحّد، وصلت إلى حائطٍ مسدود أو تراوح مكانها، من دون إحراز أي نتائج أو تقدم يذكر، ما قرأته أوساط متابعة للاتصالات الجارية بين تلك القوى بسلبية لا تخلو من الإعتقاد أن “إمكانية التفاهم المتدنية حول مرشّح رئاسي، فرطت ولن يكون هناك اتفاق”.
المعارضة في وضع صعب عملياً، كل القوى المشاركة في المفاوضات، تتجنّب إعلان فشل الإتصالات مخافة تحمّلها وِزر الموقف وتبعاته. مع ذلك، جميع القوى المشاركة، باتت في صورة أنها انتهت إلى فشل ذريع وستكون سبباً إضافياً في تعميق أزمة الثقة بين القوى. إذاً التخوّف الحالي، أن تذهب قوى المعارضة إلى مأزق سياسي عنوانه ليس الإنسداد فقط إنما انفجار العلاقة في ما بينها، ما يحتمل أن يؤثر على مسار الإنتخابات الرئاسية ككل، طالما أن هذه القوى أساسية في مسألة تأمين نصاب الجلسة، وترفع لواء رفض ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ولا قدرة لديها على الإتفاق على إسم مرشّح.
وحدها “القوات اللبنانية”، غرّدت خارج سرب “التيار الوطني الحر” وحزب الكتائب وبعض القوى الأخرى، من خلال إبداء رغبتها في المشاركة بجلسة انتخاب رئيس في حال دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إليها. جاء ذلك من خلال بيان رسمي أصدرته “القوات” رداً على مواقف سبق لبري إصدارها. في مثل هذه الحالة، يعدّ كلام معراب بمثابة وثيقة أو إعلان نوايا حول الإلتزام بالحضور. يُقابل ذلك تململٌ من “التيّار الوطني” بعد محاولة الأخير إستثمار المفاوضات الجارية مسيحياً في تجديد العلاقة مع “حزب الله”، لا سيّما بعدما تبيّن لدى أكثر من فريق، أن التيّار يقف خلف تسريب خبر لقائه بمسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا، ما قرأت فيه “القوات” محاولة من باسيل للمضي في سياسة ابتزاز القوى الأخرى لتحصيل مكاسب. ومن السوابق أن قوى تُعارض “القوات” سياسياً، باتت تتفق معها حول هذه القراءة. فلا يمكن لباسيل “ممارسة ابتزاز متبادل باتجاه القوى الشيعية و المسيحية وينتظر منها تحصيل مكاسب”.
هذه الأجواء كلها، أوصلت مصادر مسيحية لإبلاغ “ليبانون ديبايت” عن نعي التواصل بين “القوات” و”التيار” معتبرةً أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة. وعلم “ليبانون ديبايت” من مصادر في “التيار الوطني”، أن الإتصال مع بعض القوى المسيحية “جمدت أو تكاد” في انتظار الرد على جملة مواضيع جرى طرحها.
الكتائب يستسلم!
وسط ذلك كله، أفيد عن تحرّك قام به حزب الكتائب بشخص رئيسه سامي الجميل في محاولة منه للملمة الأمور واحتواء التطورات الجارية أو أي نتائج سلبية قد تؤثر على التواصل بين الأفرقاء المسيحين، ليكتشف لاحقاً صعوبة ذلك، نظراً إلى التباعد الحاصل بين الأفرقاء. ف”القوات” تنتظر من “التيار”، رداً حول أسماءٍ اقترحتها للرئاسة، بينما “التيار” طرح إسم الوزير السابق جهاد أزعور مسيحياً وتسلّح به، ثم مضى يقول كلاماً أمام “عونيين” بأنه ليس مستعداً للمجازفة بكل شيء! ربطاً بهذه الأجواء وأخرى باتت في متناول الصيفي لجهة صعوبة تأمين توافق بين القوى المعارضة على إسم مرشّح “جدي وقادر”، مضى الكتائب باتجاه إجراء إعادة محاكاة لموقفه، إذ تولى رئيسه سامي الجميل التهديد مجدداً بمقاطعة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ما فُسّر كإعلانٍ شبه رسمي بسقوط المفاوضات ممّن يُفترض أنه راعيها!
من جهة أخرى بدت “القوات” تُغرّد خارج السرب لتنأى بنفسها عن التهديد بمقاطعة الجلسة، وهو موقف متقدم بالنسبة إلى معراب. هذا المستجد، يجد تفسيراً في ظل محاولات “القوات” الحثيثة لتحسين علاقتها مع الرياض وإعادة التموضع رئاسياً، خصوصاً بعدما نمى إلى قيادتها مدى الإستياء السعودي البالغ إزاء مواقف سبق لرئيس “القوات” سمير جعجع، أطلقها في أكثر من مناسبة، مع إبراز نقطة مهمة، مفادها أن معراب فهمت على الأرجح مآل الموقف السعودي الراهن من الأزمة اللبنانية وعدم تحبيذ الرياض مبادرة أي من القوى المحسوبة عليها إلى محاولة قطع الطريق على جلسة رئاسية، وسط تنامي أجواء ومعطيات حول توافر رغبة دولية في معاقبة من يثبت تسبّبه في تعطيل الجلسات، وهو ما تظّهر من خلال جولات السفير السعودي وليد البخاري الأخيرة، وما حملته مواقف تكتل “الإعتدال” الذي يعد من المقرّبين من السفير.
أزعور… رصاصة طائشة!
أخيراً، يكشف ما توفّر من أوراق المفاوضات المسيحية – المسيحية ومن ضمنها المفاوضات مع قوى المعارضة المختلفة من مستقلين وتغييريين، أن مسألة التوافق حول إسم الوزير السابق جهاد أزعور ، لا تتمتع بإجماع، فيما الوصول إلى توافق بات صعباً، نتيجة اعتراض “القوات” على الإسم وعدم رغبة “التيار الوطني” في تعميق الأزمة مع “حزب الله” والموقف “المتذبذب” لقوى “التغيير”.
في المقابل، تؤكد معلومات “ليبانون ديبايت”، أن طرح إسم أزعور، جاء بدايةً في إطار البحث، وكفكرة طرحها رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، الذي تولّى تقديم مجموعة أسماء وسطية للتداول بها بين القوى المسيحية، ما يعني أن إسم أزعور لم يرتقِ ليصبح إسماً متوافقاً عليه، إنما كان محصوراً بنقاشات داخلية في محاولة لتأمين توافق حوله.
وتؤكد مجموعة مصادر ،من بينها من هو محسوب على القوى المسيحية، وأخرى على قوى “التغيير”، أن إسم أزعور ظهر للمرة الأولى بشكل رسمي، وأبلغ إلى القوى من خلال حراك النائب غسان سكاف، الذي استفاد من لائحة الأسماء التي حملها المطران أنطون بو نجم. وحين طرح أزعور على مجموعة من نواب “التغيير”، جاء رفضه على قاعدة “إنه من المنظومة”، مشددين على أفضلية صلاح حنين مقابله، ليتفاجأوا بأن سكاف خرج من الإجتماع وسرّب موافقتهم حول إسم أزعور، وهو ما أغرقَ التكتل في تباينات داخلية، وما لبث أن اختفى سكاف، ليظهر لاحقاً في الولايات المتحدة الأميركية. مثل هذا الموقف تماماً، نقله مقرّبون من “القوات”، ومثلهم لدى “التيار”، الذي يعتبر أن الإسم جرت الموافقة عليه بعدما فهم أنه محل إجماع!
ليبانون ديبايت