اقتصاد

لماذا تزدهر السياحة في لبنان المنكوب ؟

درج”: عدنان ناصر\

مع ما يشهده القطاع المصرفي من انهيار، هل يعتزم لبنان حقاً الصمود والتعافي بالاعتماد الكلي على السياحة؟

إذا زرت لبنان كأجنبي أو لبناني مغترب وأتيت بالدولارات، فربما لن تشعر بأي تغيير عما كان عليه حال البلاد قبل الأزمة. فمن المتوقع أن يصل عدد الزوار في البلاد إلى أكثر من مليوني زائر. ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة تثير الاستغراب: لماذا قد يأتي أي شخص إلى لبنان لتمضية عطلة فيما تشهد البلاد أزمة غير مسبوقة؟

وفقاً لتصريحات وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار، تقدر الأموال التي سينفقها الزائرون بأكثر من 9 مليارات دولار عام 2023. وفي مقابلة مع وكالة “بلومبرغ”، صرح نصار أن السياحة تساهم بنسبة 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وأكد أنها تُمثل الدعامة الأساسية للاقتصاد اللبناني. في بداية الأزمة، تلقت صناعة السياحة ضربة قوية. واضطرت الفنادق والمطاعم إلى الإغلاق بسبب الوضع الاقتصادي الذي دمر الطبقة المتوسطة. إضافة إلى ذلك، تسبب وباء “كوفيد-19” العالمي بتعطيل حركة السفر، حتى بدت بيروت كمدينة مهجورة.

بيد أن الحكومة حاولت بكل ما في وسعها إلى إقناع الناس بزيارة لبنان. وأتذكر أن الوزير نصار طلب من الزوار، خصوصاً اللبنانيين المغتربين، تمضية عطلاتهم في لبنان كوسيلة “لإنعاش” الاقتصاد. ودُفعت مبالغ هائلة من المال للترويج للبنان بوصفه مكاناً “لا يزال” يجب زيارته. الآن، هدأت الأمور ويستفيد الأشخاص الذين يملكون المال أيضاً من انخفاض تكلفة السلع عندما يشترون بالدولار.

تحدثت يارا عدادة، صاحبة محل صغير للحلويات والقهوة في الجميزة “Moon’s Bakery & Coffee Shop”، إلى “درج” حول سبب اعتقادها أن لبنان لا يزال يجذب الزوار.

“لا يزال لبنان دولة جميلة تتمتع بالجاذبية التقليدية التي تجذب الزوار. إضافة إلى ذلك، سيجد الأشخاص الذين يمتلكون الدولارات أن بإمكانهم السفر واستكشاف البلاد بأسعار معقولة”. يمكن للكثير من الزوار والمغتربين أن يشهدوا بصحة هذا الكلام. فقد كان هناك ضيفان يحتسيان قهوتهما في مقهى “Moon’s”، هما من المملكة المتحدة، كانا يتحدثان عن أن الذهاب بالسيارة لزيارة قرية البترون على قائمة الأشياء التي يجب القيام بها في لبنان. سألتهما ما الذي حفزهما على زيارة للبنان خلال أكثر الأوقات اضطراباً في البلاد؟ وكان جوابهما حسناً، نحن من أصول لبنانية، من مدينة زحلة في سهل البقاع. كنا دائماً نود زيارة لبنان. فقد أردنا لأطفالنا أن يروا من أين أتوا. ولكن العمل والتحديات التي كانت تمر بها البلاد منعتنا من القيام بذلك”.

لم يستطيعا زيارة لبنان لسنوات عدة وكانت هناك أجزاء من البلاد لم تسبق لهما زيارتها على الإطلاق، ومن بينها قرية البترون السياحية في الشمال. ففي الآونة الأخيرة، تمكنت “مهرجانات البترون الدولية” من الجمع بين الزوار المحليين والدوليين. إلى جانب حقيقة أن العملة الوطنية للبلاد (الليرة) تراجعت بأكثر من 90 في المئة من قيمتها قبل الأزمة، ما جعل لبنان وجهة سياحية أقل تكلفة بكثير. أحد المبررات المثيرة الأخرى التي اكتشفتها هو الرغبة في الهروب من تصورات الإعلام السلبي حول الشرق الأوسط. فقد شعرت سائحة من النمسا؛ زارت لبنان قبل 10 سنوات، بالرغبة في زيارة بيروت في طريق عودتها من دمشق، سوريا. وفيما كنت أطرح عليها بعض الأسئلة، ظنت بدون قصد أنني أحاول خداعها. وبعدما طمأنتها إلى أن الأمر ليس كذلك، وافقت بسعادة على عرض وجهة نظرها.

“لقد زرت لبنان من قبل، وأمضيت وقتاً ممتعاً. بالأمس، كنت في دمشق وبدت الأمور جيدة تماماً. صحيح أنهم قد لا يملكون الكثير من المال، ولكنهم يتدبرون أمورهم بشكل جيد بما فيه الكفاية. يروي الصحافيون في النمسا قصة حول لبنان على أنه بلد تقطعت به السبل. وأعتقد أن ذلك مبالغ فيه ويقال بنية سيئة. لدي شكوى واحدة فقط… وهي نظام المرور والزحمة  وأزمة وقوف السيارات”. أوصيتها قبل مغادرتها بتناول مشروب في “عالياز بوكس” (Aaliya’s Books) والاستماع إلى جلسة حوار سياسي يوم الأربعاء يستضيفها روني شطح. بيد أنها قالت إنها كانت تود ذلك لكنها ستغادر في ذلك اليوم. “ما لم يتمكنوا من عمل استثناء وتغيير الموعد إلى الساعة 5 صباحاً، فلن أتمكن من الحضور”. كانت تقيم في “فندق لوست” في الجميزة ووجدته “رائعاً”. من الواضح أنه أياً كانت الظروف التي يمر بها لبنان، سيكون هناك دائماً أشخاص يتوقون إلى المشي على شواطئه والاستمتاع بملذات لا نهاية لها.

وإليكم الحقيقة: لبنان ليس مختلفاً عما كان عليه إذا كنت سائحاً أو زائراً من “الأيام الخوالي”. لا تزال الحياة الليلية في بيروت مزدهرة في النوادي الليلية والحانات. وفي نهاية كل أسبوع يمكنك أن ترى أشخاصاً من جميع الفئات السكانية، صغاراً وكباراً ولبنانيين وأجانب، يستمتعون بوقتهم كما لو أن لا أزمة على الإطلاق. ومع اقتراب فصل الصيف، سيكون هناك حتماً المزيد من السياح من جميع الخلفيات سيأتون للاستمتاع بما يمكن أن يقدمه لبنان. وبالتأكيد، سينعكس ذلك على السكان المحليين الذين يعملون في قطاع السفر والسياحة والترفيه. لكن مجدداً، قد يكون من قبيل الوهم والضلال أن نتصور أن التدفق الكبير من الزوار بالعملات الصعبة من شأنه أن ينقذ البلاد. لن يحدث ذلك. فقد كانت الركيزتان الأساسيتان اللتان دعمتا اقتصاد لبنان قبل 2019 هما السياحة والقطاع المصرفي. ومع ما يشهده القطاع المصرفي من انهيار، هل يعتزم لبنان حقاً الصمود والتعافي بالاعتماد الكلي على السياحة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى