الضربة القاضية لإسقاط ترشيح فرنجية
تمخّض يوم أمس فلم يلد شيئاً، ولم يتحقق ما سوّق البعض له، واعتبر انّه سيغيّر المشهد الرئاسي رأساً على عقب، بحيث يتمّ إسقاط ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بالضربة القاضية، عبر تعريته مسيحياً وخلق مرشح مواجه له من شأنه أن يدفع الأمر في النهاية إلى الاتيان برئيس جديد برعاية دولية واسمه قائد الجيش العماد جوزف عون.
وقالت مصادر مطلعة على الاتصالات لـ”الجمهورية”، إنّ ما حصل في الأمس يجب التوقف عنده ملياً، لأنّه يختصر سقوط مشروع مواجهة ترشيح فرنجية، وبالتالي انفراد رئيس تيار “المردة” بصدارة المرشحين. وقد تجلّى هذا السقوط بحصول الامور الآتية:
اولاً- عجز رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عن إثبات نفسه في الأمس، بأنّه صاحب اليد العليا في التيار، فإذا به يصطحب عمّه الرئيس ميشال عون إلى اجتماع تكتل “لبنان القوي” مستقوياً به، من أجل فرض خطته التي تتجلّى بالتقاطع مع بقية الأفرقاء على ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور، فإذا بالبيان الصادر عن التكتل بعد اجتماع طويل نسبياً، جاء خالياً من ترشيح علني صريح لأزعور، ما يفسّر تغلّب وجهة نظر النواب الخمسة (الياس بوصعب، الان عون، ابراهيم كنعان، سيمون ابي رميا، اسعد درغام) التي تقول، إنّ التفريط بالتحالف مع “حزب الله” وفتح أفق العلاقة مع “القوات اللبنانية” هو خطر في حدّ ذاته، إذ انّ النتيجة ستكون خسارة حليف قوي وعدم القدرة على مجاراة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مسيحياً، حيث انّ التاريخ شاهد على ذلك.
وقد سبق لباسيل أن حسب خط الرجعة في حديثه امس الاول إلى جريدة “القبس” الكويتية، حيث كان لافتاً عدم ذكره لأزعور، وقوله انّ تقاطعاً على الاسماء حصل مع المعارضة، وانّ الاتفاق لم يشمل بعد طريقة الانتخاب والبرنامج، علماً انّ الاصول تقتضي وضع العربة خلف الحصان وليس العكس، اي من غير المعقول الاتفاق على الاسماء قبل الاتفاق على البرنامج.
ثانياً- عجزت المعارضة المتمثلة بصورة رئيسية بـ “القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب”
عن استدراج باسيل وأخذ موافقته على ترشيح ازعور، قبل دخول البطريرك الراعي إلى قصر الاليزيه، على الرغم من التنازل الكبير الذي قدّمته أمام جمهورها وقيادييها، وكان أن اتفقوا جميعاً على أن ينضمّ النائب جورج عطالله ممثلاً “التيار الوطني الحر” إلى اجتماع المعارضة عند الخامسة عصر أمس، ولكن هذا الامر لم يحصل.
ثالثاً- لم يصدر أي موقف عن لقاء الاليزيه بين الرئيس الفرنسي والبطريرك الماروني.
وفي هذا السياق، قالت مصادر رافضة فكرة التقاطع مع باسيل، انّها ترجح ان يكون ماكرون قد أقنع البطريرك الراعي بصوابية خيار فرنسا، ومن المستبعد ان يكون الراعي قد استطاع إيقاف المبادرة الفرنسية، إذ انّ الامور على المستويين الاقليمي والدولي قد قُضيت باعتماد خيار دعم فرنجية لرئاسة الجمهورية، عملاً بضرورة إحداث توازنات في الداخل اللبناني، وانّ ذلك جاء نتيجة المحادثات التي جرت على هامش قمّة جدة.
رابعاً- لم يتبين على الإطلاق انّ ازعور قد وافق على مبدأ طرحه مرشحاً للمعارضة، لأنّ مصادر مطلعة على موقفه تؤكّد انّه سبق أن حاول استكشاف موقف الثنائي الشيعي، ولمس رفضاً منه لترشيحه، وبالتالي هو يرفض اليوم ترشيحه في مواجهة فرنجية، وهما من ابناء منطقة واحدة، على اعتبار انّ ما يُراد من ترشيحه ليس إيصاله، وإنما محاولة إسقاط ترشيح فرنجية.
خامساًـ انّ محاولات المعارضة التوحّد حول ترشيح ازعور بصبغة مسيحية، جاءت مستفزة للبيئة السنّية، نظراً إلى الحساسية المفرطة تجاه باسيل، كون ازعور هو مرشح باسيل الاول، وبالتالي، ارتكبت هذه الأحزاب المسيحية خطأ فادحاً في اعتبارها هذا الاستحقاق استحقاقاً مسيحياً بالدرجة الاولى، في زمن التسويات الاقليمية التي جمعت السنّة والشيعة في معادلة تصفير المشكلات.
وتوقعت المصادر، ان يعود البطريرك الراعي إلى المربّع الاول بعد زيارته لفرنسا وسماعه توجيهات الرئيس الفرنسي، من أنّ على المسيحيين ان يكونوا جزءاً من الحلول في المنطقة، لا ان يخرجوا عنها لأي سبب من الاسباب. وهذا ما اكّد عليه الفاتيكان قبل اسبوع لباسيل، عندما دعاه إلى عدم الاختلاف مع “حزب الله”.
ولاحظت المصادر، انّ بيان تكتل “لبنان القوي” وفي قراءة متأنية له وخصوصاً في مقدمته، يطرح الشيء ونقيضه، بحيث اكّد التوافق مع المعارضة ليذهب بعدها ويرفض رئيس تحدٍ، وأن يحوز على اكبر قدر من التوافق، وأن يتمّ الاعلان عنه بعد اكتمال المشاورات حول البرنامج وطريقة الانتخاب. فهذا الامر إن دلّ على شي فهو يدلّ على مدى التخبّط في القرار ومدى الإحباط الذي لاقته قوى المعارضة جراء ذلك.
وكان تكتل “لبنان القوي” اعلن خلال اجتماعه الدوري برئاسة باسيل وفي حضور عون، انّه “عرض بالتفاصيل الخيارات والتوجّهات السياسية المطروحة في الإستحقاق الرئاسي، وأدلى النواب بآرائهم، حيث تمّ في النهاية التأكيد على المسار المُتفق عليه سابقاً، والذي يقوده رئيس التكتل، لجهة التوافق مع المعارضة على مرشح لرئاسة الجمهورية يتمّ الإعلان عنه بعد تحديد الاحتمالات واكتمال المشاورات في ما يخصّ البرنامج وآلية الانتخاب وتأمين أوسع تأييد نيابي له على قاعدة التوافق وليس الفرض، وإذا تعذّر ذلك التوجّه إلى تنافس ديموقراطي عبر التصويت في مجلس النواب. مع تأكيد التكتل اقتناعه بأنّ انتخاب رئيس جمهورية ونجاحه في هذه المرحلة يتطلّبان توافقاً وليس تحدّياً من أحد ضدّ أحد”.
الجمهورية