ما بعد ترشيح ازعور: “غموض بناء” أم لعبة مكشوفة
أيا كان الشكل الذي تم التفاهم بشأنه بين احزاب واطياف المعارضة وقيادة التيار الوطني الحر وتم إخراجه من اجل اعلان تأييدها للوزير السابق جهاد أزعور مرشحا رئاسيا، لا يستطيع اي من المراقبين التنكر للشكل والمضمون الجديدين للمواجهة المقبلة بين أزعور ومرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في ظل فقدان المرشح الثالث حتى كتابة هذه السطور وعليه، تقول مصادر سياسية وديبلوماسية متابعة لـ “المركزية” ان مثل هذه التطورات وضعت حدا لمرحلة من الاستحقاق الرئاسي وفتحت الآفاق على أخرى مختلفة تماما. فمعظم تمنيات المجتمع الدولي – إن عدنا الى مواقف مجموعة السفراء ممثلي الدول الخمسة الذين التقوا في باريس في السادس من شباط الماضي – قد تحققت في الشكل. فهم اجمعوا في سلسلة المبادرات التي قادها السعوديون والقطريون، مضافة إلى المبادرة الفرنسية التي قادها الرئيس ايمانويل ماكرون شخصيا ومعهم مجموعة من الحكومات والمسؤولين العرب والغربيين والخليجيين بشكل خاص ممن أطلقوا الدعوات الى اللبنانيين من اجل خوض الاستحقاق الرئاسي بجدية مطلقة.
وهو أمر يفرض اللجوء والاحتكام الى السلطة التشريعية المتمثلة بالمجلس النيابي ليقول من يلعب دور مصدر كل السلطات الدستورية كلمته في توليد رأس الدولة بطريقة ديمقراطية لا يرقى اليها اي شك قانوني او دستوري. كما من اجل ان تنتظم العلاقة بين المؤسسات الدستورية بعد اكتمال عقدها. وكل ذلك يجري بعد ان أثبتت حكومة تصريف الاعمال ومعها المجلس النيابي عجزهما عن القيام بما هو مطلوب منهما، لافتقار الاولى للشرعية الدستورية طالما انها ما زالت “حكومة تصريف اعمال” ولم تتمكن من إدارة شؤون البلاد والمؤسسات على معظم الصعد، فهي لم تنل ثقة المجلس النيابي الجديد المولود قبل عام، ولما عبرت عنه الثانية من فشل متماد حال دون انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية قبل القيام بأي مهمة تشريعية أخرى كما يقول الدستور. وقد دخلت مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها الأيام الأولى من شهرها الثامن مهما كان النقاش حول هذه المهمة عقيما.
والى هذه الملاحظة التي لا يمكن لأحد تجاهلها فقد لبى ترشيح ازعور بشكل جدي ونهائي -إن اكتملت فصوله في الساعات المقبلة – مطلبا وشرطا أساسيا وضعه رئيس مجلس النواب نبيه بري الممسك بمفتاح مجلس النواب من أجل دعوة المجلس النيابي الى الجلسة الثانية عشرة لانتخاب الرئيس عندما يتوفر مرشحان جديدان على الاقل لخوض السباق الى قصر بعبدا، وهو ما تعهد به امام المبادرة الفرنسية والحراك السعودي والقطري وأمام مختلف الجهات الدولية والإقليمية ولا يستطيع التراجع عما تعهد به بسهولة كما يعتقد البعض الذي يهدد بعدم الدعوة ان ضمنت المعارضة مصير مرشحها.
وتبقى هناك عقدة من الواجب البحث عن إمكان القيام بها وهي تتصل بتعطيل النصاب القانوني متى حالت التركيبة النيابية دون ان ينال اي من المرشحين ثلثي اعضاء مجلس النواب من الجلسة الاولى لتطرح مسألة الدورات المتتالية التي يجب ان تليها من اجل انتخاب الرئيس بالنصف زائدا واحدا وهو امر سيفتح الآفاق أمام الحديث عن النصاب القانوني وهو أمر غير مضمون بالنسبة الى طرفي الصراع. فقد سبق لهما ان هددا بتطييره ان شعر أحدهما بالحاجة الى منع انتخاب المرشح الآخر.
عند الحديث عن هذه المعضلة، تشير المراجع السياسية الى اهمية الحديث عن العقوبات المرتقبة على اي من مرتكبي هذه الخطوة. فقد سبق ان شكك كثر بأن الضمانات التي قدمها بري للدعوة الى جلسة انتخاب لم تشمل تعهده ايضا العودة الى امكان العودة الى مسلسل تطيير النصاب، وهو الأسلوب الذي لجأ اليه في الجلسات الإحدى عشرة الماضية مع شريكه في الثنائي اذ كانا يستخدمان ومعهما حلفاء من كتلة أخرى الأوراق البيض قبل تطيير النصاب والذي يمكن ان تلجأ اليه المعارضة ان خشيت حصول فرنجية على النصف زائدا واحدا.
للخروج من هذه المعادلة السلبية وما يمكن ان تشكله من مأزق، تتمنى المراجع الدبلوماسية الداعية الى انتخاب الرئيس بأسرع وقت ممكن ان يبقى المجلس النيابي محكوما بما يسمى بـ “الغموض البناء” وهو امر يدعو الى ترقب امكان ان تكون هناك مجموعة او مجموعتان نيابيتان قادرتان ان تلعبا دور “بيضة القبان” وهم من النواب المترددين بين التصويت لهذا المرشح او ذاك مستعدة للحسم في اللحظات الاخيرة للفصل بينهما وتأمين فوز اي منهما من دون ان يكون ذلك مضمونا قبل الدعوة وافتتاح مسلسل الدورات الانتخابية اللاحقة للجلسة الاولى.
عند هذه المحطة، يتركز البحث لمعرفة موقف نواب “اللقاء الديمقراطي” ونواب “تكتل الإعتدال الوطني” ومعهما مجموعة من النواب المنفردين من مستقلين وتغييريين الذين ما زالوا مترددين بين فرنجية و ازعور. وهو ما يساهم في اعادة احتساب اصوات المرشحين معا ، فالثابت ان من بين هؤلاء من لا يريد اطلاقا ان ينتخب فرنجية ان تمنع عن انتخاب ازعور بعد اعتبار الثاني من لائحة “مرشحي التحدي”، ولذلك فقد بات في الخانة نفسها التي يضعون فيها فرنجية ايضا. وهو ما سينتهي حتما الى عدم قدرة اي منهما على الفوز حتى بالنصف زائدا واحدا مهما تعددت الدورات الانتخابية.
وهنا، لا تتجاهل المراجع ما اعترف به زوار الرئيس نبيه بري انه هو من توقع مثل هذا السيناريو الأخير متيقنا بان ما جرى يدفعه الى توقعه السلبي من دون القدرة على وضع “رسم تشبيهي” لما ستشهده المرحلة التي تلي ذلك ما لم تتسبب هذه الاجواء بالمزيد من التشنج وتنحو بالبلاد الى حيث لا يريد كثر. وان من بينهم من واجهوا “الثنائية الشيعية” التي عبرت عن النية بتحدي الاكثرية المعارضة وما فيها من اكثرية مسيحية وازنة بشكل كبير وعلني غير مسبوق لمجرد انضمام التيار الوطني الحر الى صفوف المعارضة المسيحية ومعها أكثرية درزية ونسبة سنية ملحوظة.
وختاما، تفيد المراجع السياسية أنها ما زالت تفكر وتتساءل عن الأسباب التي دفعت الثنائي الشيعي الى ترشيح فرنجية بالطريقة التي أنجزت حتى اليوم وما رافقها من مواقف زادت من نسبة التشنج الوطني والطائفي على مستوى البلاد. فعدا عن اصرارها على احتكار “التصنيف” لمرشحي “التحدي” فقد مارسته بطريقة لا يرقى اليها اي شك أدت بالبعض إلى التشكيك بانها تريد ان ترى فرنجية في قصر بعبدا . وما زاد في الطين بلة، انها وفي ظل دعوتها الى طبخة لبنانية – لبنانية داخلية هي لا تتردد في ترجمة موقفها على انه انعكاس لتقدم محور الممانعة في المنطقة بطريقة مكشوفة تلغي اي مسعى لخوض الاستحقاق في ظل “الغموض البناء” عدا عن مقتضيات التفاهم السعودي الايراني بغرض الاحتفاظ بلبنان خارج دائرة مشروع “تصفير الأزمات” في المنطقة. وهو ما سيؤدي حتما إلى أكثر السيناريوهات السلبية توقعا والآتي من أحداث الأيام المقبلة سيثبت هذه النظرية مع صعوبة نفيها.
المركزية