ما شهدته زحلة أكبر من تفجير وأقل من هزة: من يعبث بصاعق الزلازل
في دراسة صدرت في آذار الماضي، أعدّها المركز الوطني للجيوفيزياء، بالتعاون مع المعهد الوطني لعلوم الأرض في غرونوبل (فرنسا) حول تحرّكات القشرة الأرضية في منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط، لفت انتباه الباحثين الجيولوجيين المشاركين فيها «تركّز الهزات الأرضية المرصودة في لبنان خلال فترة النهار». ولكن بما أن «حركات القشرة الأرضية لا يعنيها تعاقب الليل والنهار»، استنتج الباحثون أنّ «هذه الهزات ناتجة عن أنشطة بشرية، خصوصاً أنها، إضافة إلى وقوعها خلال ساعات النهار، تختفي أيام العطل الرّسمية!». وهذا ما يؤكده أيضاً وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، إذ يشير إلى «امتلاك الوزارة معلومات مؤكّدة من المجلس الوطني للبحوث العلمية عن تحرّكات زلزالية غير مرتبطة بالحركة الطبيعية للأرض».
بحسب الجيولوجيين، فإن الكسّارات والمقالع المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية أقامها أصحابها فوق فوالق زلزالية لهشاشة الصخور فيها. التفجير الغامض الذي شهدته جرود مدينة زحلة، السبت الماضي، «وقع على جدار فالق اليمونة». الهزّة التي رافقت الانفجار، غير مفهوم سببها حتى الآن، وما إذا كان ناتجاً عن كميّة المتفجّرات المستخدمة، أم أن التفجير أطلق طاقة مشحونة في الفالق. بحسب علماء جيولوجيا يتابعون الخرائط الزلزالية في لبنان والمنطقة، «الأمور بحاجة إلى دراسة أعمق. فالهزّة ظهرت على المراصد السّورية والفلسطينية، وهي، بالتالي، أكبر من تفجير، وأقل من زلزال». لكن، أياً يكن الأمر، من الواضح أن هناك من يعبث بصاعق قنبلة ضخمة تهدّد حياة مئات الآلاف، في غياب تام ومعتاد للدولة وأجهزتها الأمنية. وقبل زحلة، شهدت منطقة كسروان أيضاً «تحرّكات أرضية غير عادية» ترافقت مع «أصوات هدير»، وفقاً لشهود.
رئيسة المركز الوطني للجيوفيزياء مارلين البراكس، قالت لـ«الأخبار» إن «أجهزة المركز رصدت بالفعل هزةً أرضيةً في منطقة البقاع. مركزها، منطقة قاع الريم، على بعد 4 كلم من مدينة زحلة، بقوة 3 درجات على مقياس ريختر، عند السّاعة 02:15 من بعد ظهر السبت».
لحظة وقوع التفجير، وحصول الهزّة، وانتشار الخبر، «وُضع الأمر في عهدة القوى الأمنية المسؤولة عن متابعة أعمال الكسّارات على الأرض، لا وزارة البيئة»، بحسب ياسين، مشيراً إلى أن هناك «1235 موقعاً تعمل في استخراج الصخور على الأراضي اللبنانية، العشرات منها مخالفة، وتعمل على نقاط زلزالية حرجة. ولكن، إنفاذ القانون على الأرض من مسؤولية القوى الأمنية، والإدارات المحليّة». وأشار إلى أن «العمل جار على مخطط توجيهي جديد للكسّارات، بالتعاون مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، تُستثنى منه السّلسلة الغربية بشكل تام. إلا أنّ التشريع في مجلس النواب بحاجة إلى دورة عمل طبيعية، ونعيش اليوم حالاً استثنائية». وقال إنه سيعرض «توصية في أول جلسة قادمة لمجلس الوزراء تقضي بأن توقف القوى الأمنية العمل في أيّ من مجموعات الاستخراج الكبيرة».
الفوضى على الأرض تؤكّدها الأمينة العامة لمجلس البحوث العلمية تمارا الزين، المسؤولة أمام الحكومة عن رسم الخريطة الزلزالية للبنان، و«التي تشوّهها التفجيرات العشوائية للكسّارات». الموضوع أبعد من تشويه البيئة، وفقاً للزين. في الشق العملي على الأرض، «الكسّارات بأغلبها موجودة على الفوالق، والتفجيرات المكثفة فيها قد تحفّز تحرّكات زلزالية كبرى، وهذا ما أبلغناه لوزير البيئة أخيراً». أمّا في الشّق العلمي، فقد «طلبنا وضع آلية تنسيقية لمعرفة ساعات التفجير. فالكسّارات لا تبلغ الدولة بشيء، وأغلبها غير مرخّص، والمراصد الزلزالية ترى التفجيرات على أنّها تحرّكات للقشرة الأرضية، وبالتالي تتداخل المعلومات بعضها ببعض، مشوهةً الحقائق».
من جهته، يؤكّد أستاذ الجيولوجيا في الجامعة اللبنانية الدكتور داني عازار «أنّ التفجيرات على حيطان الفوالق أمر فيه خطر كبير، فهذه المنطقة تفصل بين صفيحتين أرضيتين، وهي الأكثر هشاشة». وأوضح «أنّ أعمال التفجير تساهم في خلق موجات ضخمة على أمكنة ضعيفة، وتحريكها قد يتسبب بهزات كبيرة، وكلّما كان عمق التفجير أكبر زاد الخطر». ويؤكّد عازار بحسب دراساته الميدانية على الأرض «إقامة الكسّارات على الفوالق»، مسمياً «كسّارة عين دارة، التي عبرها يمر خط الفالق الذي يقطع بيروت والشوف، كما كسّارة آل جعفر المقامة على نقطة في فالق اليمونة».
فؤاد بزي – الاخبار