هل سيواجه المصرفيون اللبنانيون المساءلة أخيرًا

هل سيواجه المصرفيون اللبنانيون المساءلة أخيرًا

لأكثر من ثلاث سنوات، يواصل اللبنانيون سلسلة الاحتجاجات المتفرقة رداً على الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد. وصب اللبنانيون جام غضبهم على النخبة السياسية في البلاد، وتحديدا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وبحسب مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، “الرسالة واضحة، يطالب المحتجون إخراج سلامة من السلطة ومحاسبته. ويتولى سلامة منصب حاكمية مصرف لبنان منذ ما يقرب من 30 عامًا، والآن، يواجه احتمال السجن. وفي 16 أيار، أصدرت فرنسا مذكرة توقيف بحق سلامة بسبب عدم مثوله للاستجواب أمام محققين في باريس. وعلى الرغم من أن لبنان لا يسلم مواطنيه، فإن التحقيقات في جرائم سلامة المزعومة – بما في ذلك الاختلاس وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي – الجارية في لبنان وست دول أوروبية قد تمثل نقطة تحول بالنسبة للبنان. لسنوات عديدة، شعر الكثير من اللبنانيين باليأس من المستنقع السياسي والاقتصادي الذي تتخبط فيه البلاد. لكن هذه التحقيقات قد تحقق، لأول مرة منذ سنوات، بعض المساءلة، وبالنسبة للعديد من اللبنانيين، هذه علامة صغيرة على أن التغيير قد يأتي”.


وتابعت المجلة، “لعب سلامة دورًا رئيسيًا في انهيار النظام المالي اللبناني الذي بلغ ذروته في عام 2019. وقال سامي نادر، مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية: “إنه مؤلف السياسة النقدية التي تم وضعها والتي أدت إلى أزمة مالية عميقة”. لتحقيق الاستقرار في الليرة اللبنانية، نفذ سلامة، في عام 2016، ما يسمى بـ”الهندسة المالية”، لكنها أدت إلى انخفاض الإقراض للاقتصاد الحقيقي وتم تمويله في النهاية من خلال مبيعات السندات الدولية، مما أدى إلى انخفاض صافي احتياطيات لبنان. ووصف الاقتصاديون وحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محاولات البلاد لجمع الدولارات لسداد ديونها بأنها “مخطط بونزي”. في غضون ذلك، وعلى الرغم من تحذيرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واصل مصرف لبنان تمويل الإنفاق الحكومي السخي. وقال نادر: “المؤسسات السياسية والمصرفية اللبنانية عملت معًا لتنفيذ سياسات تعود بالنفع على نفسها في المقام الأول”.”
وأضافت المجلة، “أدت الضريبة المقترحة على مكالمات WhatsApp أخيرًا إلى اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية التي بدأت في تشرين الأول 2019. وعلى الرغم من أن سلامة لم يكن متورطًا في القرار الضريبي، إلا أن المتظاهرين اعتبروه جزءًا من الفساد الذي تسبب في الانهيار الاقتصادي. وقال الاقتصادي اللبناني روي بدارو: “السياسيون والمصرفيون ومصرف لبنان هم جزء من شبكة يمكنهم التواصل من خلالها مع بعضهم البعض”.


وبحسب المجلة، “لم تبدأ المشاكل القانونية التي يواجهها سلامة في الخارج إلا في كانون الثاني 2021، عندما طلبت سويسرا المساعدة القانونية من لبنان للنظر في التحويلات المصرفية التي تمت بين عامي 2002 و2015 من قبل سلامة وشقيقه رجا وشريكتهما السابقة ماريان الحويك. منذ ذلك الحين، كانت سويسرا تحقق مع سلامة في مزاعم اختلاس أموال عامة من خلال شركة Forry Associates Ltd، وهي شركة مملوكة لرجا سلامة. وأدى التحقيق السويسري إلى قيام دول أخرى في أوروبا – بلجيكا وفرنسا وألمانيا وليختنشتاين ولوكسمبورغ – بالتحقيق مع سلامة أيضًا. في حالة إدانته، قد يواجه سلامة عقوبة تصل إلى السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات ومصادرة أصوله في أوروبا”.
وتابعت المجلة، “بعد أن طلبت سويسرا تعاونها، فتحت السلطات اللبنانية تحقيقها الخاص، بدءًا من تحقيق أولي مدته 18 شهرًا بواسطة المدعي العام جان طنوس في عام 2021. بعد ذلك، في شباط الماضي، وجه القاضي رجا حموش تهمة الفساد إلى الأخوين سلامة والحويك. وفي آذار، رفعت الدولة اللبنانية، ممثلة بالقاضية هيلانة اسكندر، شكوى ضد الأخوين سلامة بتهمة الرشوة والاحتيال وغسيل الأموال والاختلاس والتهرب الضريبي. وتهدف الشكوى إلى نقل أي ممتلكات مصادرة في الخارج إلى لبنان في حال إدانة سلامة في أوروبا وحماية حقوق لبنان. وقالت زينة واكيم، محامية في مؤسسة “المساءلة الآن”، وهي مؤسسة سويسرية تهدف إلى إنهاء إفلات القادة اللبنانيين من العقاب والتي رفعت شكاوى قانونية ضد سلامة في أوروبا، إن استخدام سلامة المزعوم للأموال العامة هو مجرد غيض من فيض. وأضافت: “يدرك المحققون الأوروبيون الآن وجود شبكة فساد أكبر”. وتابعت قائلة: “وجهت إلى سلامة تهمة غسيل الأموال بشكل مشدد، مما يعني أن شبكة محترفة من المجرمين متورطة في الاختلاس. وعلى الرغم من أن التحقيق يركز حاليًا على سلامة، يمكننا أن نرى أنه بدأ يطال سياسيين آخرين في لبنان”.”


وأضافت المجلة، “على الرغم من أن لبنان لا يزال عالقًا إلى حد كبير في مستنقع سياسي، تظهر التحقيقات الأوروبية أن شخصيات مثل سلامة لم تعد بمنأى عن المساس. حتى أن النخبة اللبنانية تعلم أنها لا تستطيع تجاهل الضغط الدولي بالكامل. من المعروف أن لبنان لا يسلم رعاياه، لذلك من غير المرجح أن يتم اعتقال سلامة في أوروبا، لكن الضغط الداخلي عليه للاستقالة يتصاعد. ودعا نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إلى جانب عدد من الوزراء والنواب، سلامة إلى الاستقالة. وهذا يشكل مأزقاً غريباً للطبقة السياسية التي دعمت سلامة لعقود. من المحتمل أن تكون النخب اللبنانية حذرة من الانقلاب على سلامة، لأنه قد يكشف عن معلومات حول النخب الأخرى المتورطة في الانهيار الاقتصادي، لكن في الوقت نفسه، يعرفون أن عليهم اتخاذ إجراءات ضد سلامة لتعزيز سمعة لبنان في المجتمع الدولي. وكما قال الشامي لوكالة “أسوشيتيد برس”، فإن المزاعم ضد سلامة “يمكن أن تهدد العلاقات المالية للبلاد مع بقية العالم”.”
وبحسب المجلة، “من جانبه قال سلامة إنه، في حالة إدانته، لن يستقيل إلا قبل نهاية فترة ولايته. ولكن حتى لو لم يحدث ذلك، فإن التحقيقات قد أحدثت بالفعل فسحة تغيير. فمهما كانت نتيجة التحقيقات، فإن إجراءها في حد ذاته يرمز إلى فرصة لتحدي نظام الإفلات من العقاب الذي يحمي النخب اللبنانية مع تسليط الضوء على العيوب الموجودة في نظام العدالة في البلاد. وكما قال بدارو، “نحن بحاجة إلى إعادة النظر في ماضينا لبناء دولة صلبة وضمان عدم الإفلات من العقاب في المستقبل أو الماضي، بما في ذلك كافة الجهات الفاعلة في مخطط الفساد”. إذن، قد تكون التحقيقات هي الخطوة الأولى في القيام بذلك”.

Exit mobile version