عون: هكذا فرضوا علينا فرنجيّة!
قبل أقلّ من أسبوع من المنازلة الرئاسية الكبرى رُصِد توزيع الأدوار الواضح بين حليفَيْ سليمان فرنجية: الرئيس نبيه برّي يعلن التوجّه للمرّة الأولى إلى التصويت لفرنجيّة والتخلّي عن الورقة البيضاء، وهذا يعني ضمناً المشاركة حتماً في الجلسة.
في المقابل، يلوّح الحزب بـ “خيارات دستورية متنوّعة، وأيّ خيار سنلجأ إليه متوافر له العدد النيابي الكافي بحيث لن يوفّر لأولئك الذين يريدون فرض رئيس مواجهة وتحدٍّ أن يحصلوا على ما يريدون”.
هذا يعني احتمال عدم ترك العِراك الديمقراطي يأخذ مجراه الدستوري على قاعدة: هناك مرشّحان وليفُز من يفوز بالأصوات أو بالسياسة أو باستعراض “مخزون” أصواته.
موقف الحزب الذي عَكَسه قبل أيام النائب حسن فضل الله ليس تفصيلاً صغيراً في مسار تجاوز “مفاجأة” إعلان ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور من قبل القوى المسيحية في سياق معركة “الثنائي” من أجل إيصال فرنجية إلى قصر بعبدا.
ذكّر فضل الله بـ “نصاب الثلثين الذي يؤمِّن أوسع مشاركة لبنانية مسيحيَّة ـ إسلاميَّة في انتخاب الرئيس، فيما عدم التفاهم يؤدّي إلى تعطيل النصاب”، مع دعوة متكرّرة من مسؤولي الحزب إلى الحوار، ثمّ إعلان الحزب أمس تصويته لفرنجية.
ربطاً بموقف الحزب المُعلَن وحدّة الكباش الرئاسي وإعلان تكتل “اللقاء الديموقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط “بمباركة” وليد جنبلاط أمس التصويت لأزعور تراجع كثيراً خيار تعطيل نصاب الثلثين لالتئام الجلسة، لينحصر المشهد الرئاسي بالمواجهة القاسية بين مرشّحي المعسكرين في مقابل احتمال رفع عدّاد الورقة البيضاء، وهو توجّه قد يمنع فرنجية وأزعور من ملامسة عتبة الـ 65 صوتاً. فيما تتحدّث مصادر عن احتمال تأجيل الجلسة إفساحاً في المجال أمام نضوج الاتصالات وتفادي الشرخ الطائفي في ظلّ المسعى الفرنسي المتجدّد عبر وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان والمسعى البطريركي الذي لم يُبدّل تبديلاً حتى الآن لدى الحزب.
تشير المعطيات إلى كلمة مهمّة لفرنجية في ذكرى مجزرة إهدن يوم الأحد قد يكون لها تداعياتها المباشرة على الجلسة، خصوصاً أنّ فرنجية لم يعلن بعد ترشُّحه رسمياً لرئاسة الجمهورية ويُسوَّق له كمرشّح مدعوم من “الثنائي الشيعي” وحلفائه.
حزب الأوراق البيض
فعليّاً، لم يعد للحوار أيّ مكان في المهلة الفاصلة عن 14 حزيران، فيما “التصادم” هو عنوان المرحلة. كان برّي يُعاير المسيحيين بخلاف “ماروني-ماروني” تحديداً يمنع توافقهم على اسم مرشّح، لكنّه سيدير الآن أصعب الجلسات الرئاسية في ظلّ معلومات تتحدّث عن مناورة من جانب “الثنائي” والمتردّدين لتوسيع رقعة الأوراق البيض التي تكرّس، برأي الثنائي، حتمية الركون مجدّداً إلى الحوار لكسر حدّة الاصطفاف السياسي وتأجيل موعد الحسم الرئاسي.
عون: هكذا فرضوا علينا فرنجيّة
في المقلب العوني يكمن الوجه الآخر للمعركة في وضع التيار الوطني الحر في مواجهة مباشرة ومُكلِفة مع الحزب فوق ركام علاقة “منتهية” أصلاً مع الرئيس برّي. ففي الاجتماع الأخير للمكتب السياسي للتيّار الوطني الحر بحضور الرئيس ميشال عون، والذي تغيّب عنه النواب آلان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا والياس بو صعب، رُسِمت خطّة المواجهة: أمر عمليات من عون وباسيل للنواب الـ 17 بالتصويت لجهاد أزعور. قابل ذلك تصريح علني مساء الأربعاء من النائب أبي رميا يجزم فيه أنّ القرار لم يُتّخذ بعد داخل التكتّل في شأن الاقتراع بالورقة البيضاء أو التصويت لأزعور.
تحدّث ميشال عون، الذي استفاض بمطالعته، عن الخيار الذي وضعه الحزب أمامه: “قالوا لنا تعالوا لنتفاهم حول سليمان فرنجية، أو سليمان بيك، أو سليمان طوني فرنجية. هذا الأمر لم يكن مقبولاً، لذلك كان خيارنا الذهاب نحو مرشّح لا نعتبره ولا نريده مستفزّاً للثنائي. والمطلوب من جميع التيّاريّين من دون استثناء التصويت له”.
تقاطع عون وباسيل عند رفض قرار “الثنائي الشيعي” التحكّم بالانتخابات الرئاسية. قال باسيل: “أزعور ليس مرشّحي المفضّل، وكنت أفضّل زياد بارود عليه، أو أقلّه طرح اسمين، لكنّ البطريرك الراعي ألزمني باسم مرشّح واحد (أزعور) الذي عاد وطرحه على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. تقاطعنا مع المعارضة على جهاد الذي ترك العمل السياسي في لبنان منذ 2008، وهذا كافٍ لعدم اتّهامه بتخريب المالية العامّة والمشاركة في إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه. كما أنّ أزعور من معارضي سياسات رياض سلامة. أمّا الاتّهامات المسوقة في كتاب “الإبراء المستحيل” فموجودة على طاولة ديوان المحاسبة ولم يصدر أيّ قرار فيها”.
أضاف باسيل: “لو اتّفقوا قبل ساعة واحدة من جلسة 14 حزيران على مرشّح آخر فسأسير به. المهمّ لا للورقة البيضاء بعد الآن ولا لسليمان فرنجية”، وضمناً لا لقائد الجيش الذي أبلغ باسيل المحازبين بأنّ الثنائي الشيعي يرفض قطعاً السير به.
برّي الحاكم بأمره
توجّه باسيل إلى محازبي التيّار قائلاً: “لم يعد بالإمكان السكوت عن الوضع. نبيه برّي هو اليوم الحاكم بأمره، وحكومة ميقاتي “فالتة” وتستبيح صلاحيّات رئيس الجمهورية وتريد أيضاً إجراء تعيينات. نريد رئيساً الآن، وفرنجية استمرار لحقبة ستُجلِس برّي على الكرسيّ الأول في حال انتخاب فرنجية”.
معركة الـ 65 نائباً
هكذا تتّجه مداولات ما قبل جلسة 14 حزيران إلى تكريس عمق “حفرة” المأزق الرئاسي وخطورته في ظلّ انقسام طائفي حادّ لم تشهده جولات رئاسية سابقة من الياس الهراوي إلى إميل لحود وميشال سليمان وصولاً إلى ميشال عون.
لكنّ ذلك لا يحجب عنوان المعركة الذي تخوض قوى المعارضة الجولة الـ 12 تحت سقفه: “ملامسة مرشّحها جهاد أزعور عتبة الـ 65 صوتاً لتكريسه رئيساً على الورقة والقلم بهدف إطاحة ترشيح سليمان فرنجية”.
اقتراب أزعور من عتبة الـ 65 صوتاً في جلسة الانتخاب الأولى التي تتطلّب نصاب الثلثين للحضور والانتخاب يكرّس برأي هذا الفريق شطب فرنجية من السباق الرئاسي من دون أن يعني أبداً تقدُّم حظوظ أزعور الرئاسية.
فرنجيّة أم ورقة بيضاء؟
إعلان برّي و”حزب الله” التصويت لفرنجية جنّب الطرفان خياراً مُحرِجاً جدّاً للثنائي الشيعي بعد تبنّي استراتجية الأوراق البيض على مدى 11 جلسة. لكنّ هذا الأمر يبدو متعذّراً، بالشكل، بعد الجلسة الأخيرة في 19 كانون الثاني وبعدما أعلن الرئيس برّي ترشيح فرنجية بداية آذار الماضي وانضمّ إليه لاحقاً الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ثمّ نشط بشكل رسمي محور التسويق المنتظم على المنابر لاسم فرنجية من قبل “الثنائي” في مقابل الشيطنة الواضحة لخيار جهاد أزعور إلى حدّ وصفه بالخيار “التعطيليّ والتخريبي”.
معركة إسقاط فرنجيّة
يقول نائب بارز في المعارضة لـ “أساس”: “تحت ضغط تقاطع قوى المعارضة والتيار الوطني الحر والتغييريين على ترشيح أزعور اضطرّ الرئيس برّي إلى تحديد موعد لجلسة قد تشكّل ضربة لمشروع ترشيح فرنجية. والجهد ينصبّ حالياً على تأمين أصوات إضافية لأزعور ركنها الأساس هو الموقف الجنبلاطي وما يستطيع جبران باسيل تحصيله من أصوات داخل تيّاره، مع علمنا بوجود ستّة نواب يعارضون التصويت لأزعور، إضافة إلى المحاولات المستمرّة لاستمالة مزيد من أصوات النواب السُّنّة، لذلك تقديراتنا تطمح إلى أن يُسجّل الأخير رقماً يتجاوز رقم الجلسة الأولى التي دعا إليها برّي في 29 أيلول الماضي وحصّل فيها محور الممانعة-التيار الوطني الحر 63 ورقة بيضاء”.
يؤكّد هذا الفريق أنّ حصول أزعور في الجلسة الأولى على ما يقارب 65 صوتاً سيصعّب بحدّ ذاته كثيراً مهمّة برّي وحليفه الحزب الهادفة إلى تطيير الجلسة الثانية التي يحتاج فيها أزعور إلى أكثرية الـ 65 نائباً. لكنّ الأخبار الآتية من صوب “التغييريين” أنفسهم تصعّب كثيراً من مهمّتهم بسبب انخفاض نسبة مؤيّدي أزعور داخل “معسكرهم”.
في المقابل، يقول قريبون من برّي إنّ “السباق الرئاسي ما يزال ينحصر باسمين جدّيّين فقط: سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. الأول ترشيحه ثابت مع محاولة تجنّب وضعه في جلسة 14 حزيران بمواجهة خاسرة مع أزعور الخاسر رئاسياً أيضاً في ظلّ كلام تردّد على لسان برّي مراراً أمام زوّاره من أنّ اسم فرنجية لن يوضع في صندوق الاقتراع إلا كي يكون رئيساً للجمهورية. أمّا الثاني فما يزال خارج حسابات الثنائي الشيعي الرئاسية والحجّة المعلنة صعوبة إجراء تعديل دستوري كما حصل مع إميل لحود، واستحالة تجاوزه كما حصل مع ميشال سليمان”.
في المقابل، يُسلّم ضمناً الفريق القريب من عين التينة بواقع تحوّل جهاد أزعور إلى مرشّح سقوطه حتميّ عاجلاً أو آجلاً، لكنّ خطورته تكمن في احتمال تطييره ترشيح فرنجية بسبب الاصطفافات الحادّة التي تبلورت بشكل أوضح في الأسابيع الماضية ضدّ رئيس تيار المردة.
ملاك عقيل – اساس ميديا