الخارج ينصح بهذا الرئيــس

الخارج ينصح بهذا الرئيــس

يدور السياسيون اللبنانيون في دائرة مقفلة، ويصرّون على التمادي في التوتير والاقتتال على ما يرى كل فريق منهم منفعةً له مادية أو سلطوية، فيما البلد يغرق في انهيار قاتل، واللبنانيون يعانون الأمرّين من عدم كفاية الطبقة المتحاصصة الحاكمة، التي أوصلت لبنان إلى الجحيم ولم تفعل شيئاً بعد نحو 4 سنوات من السقوط، وبالتالي، اللبنانيون يهاجرون والنازحون يحلوّن مكانهم.

«المعارضون» ولا ندري من أين أتوا بهذا الوصف لأنفسهم، هم شركاء في كل القرارات التي اتُخذت في الحكومات والمجالس النياية المتعاقبة، والتي أدّت إلى انهيار البلد والسطو على أموال الناس في المصارف، وخرق الدستور والنظام الحرّ وإعادة البلد مئة عام إلى الوراء.

وهؤلاء تقاطعوا على مرشح مسؤول في صندوق النقد الدولي، هذا الصندوق الذي يريد ان يشطب أموال المودعين، فهل حصل «المتقاطعون على الوزير السابق جهاد ازعور، المسؤول في صندوق النقد، على قَسَمٍ منه بعدم تشريع سرقة جنى أعمار الناس، أم هم يريدون انتخابه لأنّهم يريدون فعلاً القضاء نهائياً على لبنان من خلال شطب ديون الدولة ومسامحة المصارف والتضحية بأموال اللبنانيين؟

وما هو موقف محازبي «القوات» و»الكتائب» و»التيار» ومؤيّديهم المتحمسّين في حال وصل ازعور إلى بعبدا وقطع رؤوسهم وسبا جنى أعمارهم؟

وكيف يعتقد «المتقاطعون» انّهم سيشكّلون حكومة إذا ما نجحوا، ولن ينجحوا، في انتخاب ازعور رئيساً للجمهورية، في غياب الطائفة الشيعية بكاملها، خلافاً لموازين الأحجام والقوى، وخلافاً للدستور الذي نص على أن «لا شرعية لأي سلطة» غير ميثاقية؟

هل سيُدخلون البلد في تعطيل حكومي لمدة 6 سنوات حتى انتخاب رئيس جديد؟ هل يتحمّل البلد وأهله دوامة التعطيل، بدل السعي المنطقي والأخلاقي لتحمّل مسؤولية الانهيار ووضع خطة إنقاذ حقيقية، وليس كخطة الشامي الخبيثة التي أُودعت المجلس النيابي وتقضي بشطب أكثر من 83 في المئة من الودائع؟

وهل فعلاً انّ جميع «المتقاطعين» على قلب واحد خلف أزعور، وخصوصاً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أو أنّه يخبئ ورقة الوزير السابق زياد بارود؟ وما هو الموقف النهائي لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط؟

إنّ الهدف الرئيسي لـ»التقاطع» على أزعور هو محاولة قطع طريق بعبدا على رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لا أكثر ولا أقل. غير انّه غاب عن «المتقاطعين» انّهم يلاعبون الرئيس نبيه بري ويقارعون دهاءه وخبرته، ويستخفون بإمكانات «حزب الله» وأدواره وحساباته، وبالتالي من المنطقي أن يتوقعوا مفاجأةٍ ما في وقتٍ ما، كردّ سياسي.

المشكلة أنّ فريقاً ربما استعجل اعلان تأييده فرنجية ليس تحدّياً، وانما اعتقاداً منه انّ الاتفاق السعودي-الايراني ستتلقفه كل القوى السياسية في لبنان، ليكون أول المسستفيدين من مناخات الاستقرار وتالياً الاستثمار، وعكس مسار الانحدار سريعاً. وأنّ الفريق الآخر لم يتلقف إيجابيات التحوّل الاستراتيجي الإقليمي.

ما يجري الآن من ضخ إعلامي بأنّ فرنسا بدّلت موقفها، وأنّ البوانتاجات هي لمصلحة ازعور، لن تشكّل عامل ضغط على الرئيس بري ولا على حلفائه. والواقع السياسي في البلد يقول إنّه ليس هناك من لديه غالبية 65 صوتاً للفوز، وحتى افتراضاً إذا حصل أزعور أو أي مرشح آخر، على 85 صوتاً فإنّه لن يمرّ في المجلس النيابي، الّا بتوافق مفقود حتى الآن.

مشكلة لبنان الكبرى ليست في انتخاب رئيس للجمهورية، وطالما كان الرؤساء يشكون من قلّة الصلاحيات، وإنما في الممارسة السياسية السلبية من تحاصص وتقاسم للسلطة والنفوذ، وهدر للمال العام، وفائض توظيفي بلا جدوى، وهيمنة على القضاء ومفاصل الدولة، وتجاوز للدستور وتلاعب بالديموقراطية، وفتح معابر التهريب على مصاريعها، وفي النهاية السطو على أموال اللبنانيين في المصارف وتدمير النظام المالي الحرّ وسحق الثقة بالقطاع المصرفي، الذي يستحيل أن يعود بوجود رئيس أو بلا رئيس، من دون إعادة أموال المودعين.

إنّ انتخاب رئيس للجمهورية يشكّل فرصة لإعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان، ولا يشكّل حلاً في حدّ ذاته. لذلك، لا ترى القوى الخارجية المعنية بالوضع اللبناني جدوى من انتخاب رئيس اقتصادي، وانما ترى أن يكون الرئيس سياسياً، لأنّ المشكلة هي أساساً في السياسة، وانّ المال والاقتصاد هما من مهمّات الحكومات التنفيذية.

في اختصار، الأهم من الرئيس هو رؤية الرئيس للخروج من الجحيم.

بيار خوري- الجمهورية

Exit mobile version