ما مصير “التعاميم” و”صيرفة”
كتبت رنى سعرتي في “نداء الوطن”:
صرّح رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي انه بدأ التواصل مع نائب حاكم مصرف لبنان الاول وسيم منصوري الذي يهيّئ نفسه لتولّي صلاحيات مركز حاكمية البنك المركزي، رغم ان الاخير لا يحبّذ تولّي هذه المهمّة ويفضل تعيين حاكم أصيل يتمتع بالصلاحيات الكاملة لمعالجة تبعات الأزمة النقدية والمصرفية.
وتؤكد مصادر مصرفية ان “التركة” التي سيخلّفها رياض سلامة ثقيلة اضافة الى الاخفاقات المرتكبة والتي ساهمت في تفاقم الازمة المالية المصرفية وعمّقت أو صعّبت الحلول الممكنة للخروج منها، علماً ان اعضاء في المجلس المركزي لمصرف لبنان لم يكونوا دائماً مؤيدين لمعظم القرارات التي كانت تصدر عن مصرف لبنان في عدد من القضايا التي حولها جدل حالياً.
فهل سيتمكن منصوري من اتخاذ القرارات الاصلاحية المناسبة في ظلّ غياب رئيس الجمهورية وحكومة فعّالة تواكبه بالدعم السياسي؟ وما هي الاجراءات التي يمكن ان يعدّلها او يلغيها أو يفرضها في مرحلة تولّيه الموقت لرئاسة الحاكمية؟
ما مصير التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان منذ اندلاع الازمة والمتعلّقة بسقف السحوبات الشهرية ومنصة صيرفة وبمعالجة الاقتصاد النقدي وهيكلة المصارف..
لقاءات ميقاتي
بحسب المعلومات، بدأ ميقاتي منذ حوالى الشهر لقاءاته مع المجلس المركزي لمصرف لبنان وعقد لقاءين مع منصوري على انفراد، ولقاء مع اعضاء المجلس حيث تم التداول في كيفية إدارة الازمة في مرحلة ما بعد سلامة. ووفقاً لمصادر في مصرف لبنان، فان منصوري ونواب الحاكم الآخرين متهيّبين من المرحلة المقبلة ويفضّلون لو لم توكل اليهم تلك المهمّة مفضلين تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.
واشارت المصادر الى ان حالة من التوتر والفوضى تسود في صفوف بعض كبار الموظفين في البنك المركزي المحسوبين على سلامة والذين استفادوا من رعايته طوال 25 و30 عاماً من العمل في البنك المركزي، والمصنفين بجيل سلامة الذي كان فارضا عليهم هيبته التامة إن عبر الترهيب او الترغيب، مما يدعو للتساؤل حول قدرة أي حاكم جديد على التعامل معهم.
واكدت المصادر ان اجتماعات عدّة تعقد لتنسيق كيفية التعاطي أوّلا على الصعيد الداخلي مع هؤلاء الموظفين والمدراء في المرحلة اللاحقة، ومع عدد من الاجراءات والقرارات التي تمّ اتخاذها. ويتم البحث في مصير عدد منها مثل “صيرفة” والتعاميم الاخرى المرتبطة بالسحوبات النقدية، إلا ان الاجواء تشير الى الابقاء على كافة التعاميم، والى ان المرحلة الانتقالية لن تشهد تغييرات جذرية وستكون امتداداً لمرحلة سلامة نسبياً الى حين انتخاب حاكم جديد.
وكشفت المصادر عن توجّه لتعديل التعميم 158 لجهة الاستمرار في سداد الـ400 دولار نقداً وتخيير المستفيدين من التعميم بين قبول او رفض استيفاء الـ400 دولار الاضافية التي يتم تسديدها بالليرة على سعر الـ15 الف.
منصة صيرفة والتعميم 165
على صعيد آخر، ليس سراً ان منصوري غير مقتنع بكل آليات عمل منصة صيرفة. علماً بان مصادر مصرفية تشير الى ان في عمل المنصة بعض الاسرار وهي بحوزة سلامة وحده، وانها تدار من قبل الاخير بالتنسيق مع كبار المضاربين والمصرفيين، وانها ساهمت في تحقيق ارباح كبيرة لشرائح معينة وخدمت مضاربين ومتربحين.
كما اكدت المصادر ان التعميم 165 سيستمر العمل بموجبه لانه سيساهم في تأجيل قرار تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية من قبل Fatf واعطائه مهلة اضافية لتحسين وضعه. ويشير المتحمسون للتعميم الى امكان مساهمته في تسهيل عملية تسديد الضرائب والرسوم عبر الشيكات المصرفية بالليرة، وفي عملية استخدام الشيكات بالدولار وايداع المبالغ الكبيرة في القطاع المصرفي والتمكّن من تثبيت شرعيتها وتحويلها.
هيكلة المصارف
اما بالنسبة لاعادة هيكلة المصارف، وفقا للمصادر، فان مشروع القانون الذي تمّت صياغته بالتعاون مع صندوق النقد الدولي غير مضمون النتائج، وانه كان يجب ان تبقى عملية اعادة الهيكلة تحت ادارة واشراف مصرف لبنان الذي سبق ان بدأ بتلك العملية من خلال اصدار التعاميم اللازمة، علما بأن تطبيق التعميم ذات الصلة لم يصل الى النتائج المرجوة.
وكشفت المصادر انه خلال اللقاءات مع ميقاتي، تبيّن لأعضاء في المجلس المركزي ان رئيس الحكومة يسعى الى الابقاء على التعاطي “السلس” مع مصرف لبنان على غرار ما كان يحصل مع رياض سلامة، وهو الامر الذي سيشكل معضلة لدى بعض اعضاء المجلس المركزي الذين لم يكونوا موافقين دائماً على تلك القرارات (المنصة على سبيل المثال لا الحصر)، وكان سلامة يصدر تعاميم من خلال اللجوء الى المادتين 75 و 80 من قانون النقد والتسليف واللتين تتيحان له عدم اللجوء الى المجلس المركزي، بل الى مجرد تغطية من الحكومة ووزير المال، مع الاشارة الى انه كان يصدر قراراته ايام الاحد مساء او الاثنين علماً ان المجلس ينعقد كلّ يوم أربعاء”.
مرحلة هادئة
وفيما اعتبر احد النواب السابقين لحاكم مصرف لبنان ان منصوري لن يتمكن من إصلاح ما خرّبه سلامة وان عملية الاصلاح ليست مهمّة شخص واحد”، رأى الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود ان تولّي منصوري منصب الحاكمية، هو بمثابة انتقال هادئ نحو مرحلة تعيين حاكم جديد للبنك المركزي. معتبراً ان “أي حاكم جديد سينسف كامل الاجراءات والقرارات التي اتخذها سلامة. ولكنّ بالنسبة لمنصوري فان الانتقال نحو تلك المرحلة سيكون هادئا”.
واشار حمود الى انه قد يكون هناك اختلاف بطريقة ادارة البنك المركزي، “إلا ان هذا الاختلاف سيكون بسيطاً وخفيفاً ولا يؤدي في المرحلة الانتقالية الى انقلاب في المسار السابق”. مشدداً على ان خطورة ادارة مؤسسة عامة، تكمن في كيفية ادارة مجلس مركزي يضمّ أعضاء معيّنين من قبل جهات سياسية مختلفة، ويشكّلون الرابط الاساس لتلك الجهات في البنك المركزي، بالاضافة الى كيفية ادارة مصارف لا يمكن وصفها بالملائكة، مما يحتّم عليه لعب دور “المايسترو” الذي امتهنه واحترفه سلامة على طريقته بشكل كامل والذي مكّنه من السيطرة على المصارف من خلال الارباح التي أدرّها لها والتي ما زال يدرّها عبر صيرفة، “مصدر رزقها الوحيد اليوم”.
صنع القرار
ولفت حمود الى ان منصوري سيتولّى ادارة مجلس مركزي كان سلامة مسيطراً على قراراته، وأصبح اعضاؤه اليوم يملكون حرّية القرار ويعتبرون أنفسهم أسياد قراراتهم، مما يثير مخاوف ما، خصوصا ان من يتولّى رئاسة المجلس يجب ان يكون صانع قرار مخوّلاً ومدعوماً سياسياً.
وردّا على سؤال، استبعد حمود أن يعمد منصوري الى اتخاذ اجراءات جذرية مختلفة او الى تعديل او الغاء قرارات او تعاميم سابقة، مع امكان استمرارية ما لنهج سلامة الذي قد يواصل تأثيره من وراء الكواليس الى حين تعيين حاكم جديد ينسف كلّ او معظم ما اعتُمد سابقا”. مشيراً الى ان بعض التعديلات البسيطة على سبيل المثال، قد تطال موضوع صيرفة وتحميل مصرف لبنان خسائر مالية نتيجة بيع الدولارات بسعر صرف يقلّ عن السعر الحقيقي، والتي تتطلّب جرأة.