ليلة أخذ البلد إلى الفتنة
لم يكن تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمس عن مخطّط قوى “التقاطع” المُحضّر سلفاً لجلسة انتخاب الرئيس الـ12 محض صدفة ومجرّد خيال، أو عبارة عن “صف كلام”. فلدى برّي مجموعة معطيات وقرائن مستندة إلى معلومات أمنية وأخرى سياسية. مثل هذا الكلام – أو الاتهام – لا يتفوّه به برّي، أو يُطلقه إلى العلن، ويتحمل مسؤوليته من دون التدقيق به أو التأكد منه، لذلك احتاج إلى أيام لإعلانه. في أعقاب ما جرى، وربطاً بمحاولة اللعب بالاستقرار السياسي والأمني، وأخذ البلد إلى المجهول، تصبح إمكانية الدعوة إلى الجلسة 13 لانتخاب رئيس للجمهورية، أمراً متعذّراً في حال عدم المرور في “نفق التوافق أو الحوار الملزمين”. تحدّث بري عن مخطط كان يُراد منه افتعال أزمة سياسية على خلفية التصويت الرئاسي. تحدث عن ثقة “زائدة” كانت تُسيطر على قوى “التقاطع” أخذتهم إلى الظنّ أن بإمكانهم تأمين 67 صوتاً لمرشحهم. ما يؤكد هذا الكلام، سلسلة تصريحات إعلامية منسوبة إلى أكثر من وجه وشخصية “معارضة” قدّرت أن مجموع الأصوات التي بات يمتلكها الوزير السابق جهاد أزعور أصبح ما بين 65 و 67 وأحدهم ادعى أنه فاض عن 70 صوتاً “مضمونين”، فيما تدفّق “البوانتاجات” لم يتوقف واجتاح الصحف والمواقع ونشرات الأخبار وفق النسب ذاتها. ما له أن يؤكد وجود مُخطّط اُسقِطَ أو سقط وفشل، “نبرة” العصبية التي طبعت تصريحات بعض النواب الموصوفين بالدماثة بُعيد الجلسة، وإعلان البعض الآخر خيبته من عدم ملامسة جهاد أزعور الرقم حتّى. أشار بري إلى إحباط مخطط للبقاء داخل الجلسة واعتبار جماعة “التقاطع” أن مرشحهم فاز، ممّا كان سيقود إلى إشكال قد يُودي بالبلد إلى مكان خطير جداً. عملياً، سبقت هذا التصريح مجموعة أحداث ومعطيات أوحت أن الجلسة في طريقها إلى الانفجار أو ثمة من يُضمر أمراً ما، كما ترافقت مع عمليات شحن جرت على قدم وساق. جزءٌ منها تولّته على نحوٍ واضح “القوات اللبنانية” عبر “غرفة” عمليات مركزها معراب، أبقت نفسها متأهبة طيلة الليلة التي سبقت الجلسة، وأذرع قريبة من معراب سياسياً وتحمل جينات قوى “التغيير”، جالت خلال تلك الليلة وما قبلها تسوّق عبر الشاشات فرضية أن مرشحهم بات في إمكانه الوصول إلى الرقم المطلوب بلوغه. ولمزيد من التشويق، سوّقت روايات حول تهديدات قد تطال مجموعة من النواب من أجل تقليل الحضور في الجلسة. بالتزامن، جرت مواكبة هذه الأنباء من خلال مواقع إخبارية بنت على فرضية حصول تهديدات لنواب من فريق محدد. بيّن تقاطع المعلومات أن غالبيتها وقفت معراب خلفه. وفي سياقٍ أوحى بذلك، العثور على “دمية قنبلة” في حاوية على مقربة من منزل النائب الكتائبي نديم الجميل. سريعاً استُغل الحادث، وجرى تصنيفه ضمن بعده الأمني. ولعل أكثر من روّج لهذه النظرية، وأوحى بأن التهديدات سلكت طريقها إلى التنفيذ، نواب ووجوه من “القوات” وأبرزهم الوزيرة السابقة مي شدياق، قبل أن تكتشف الأجهزة الأمنية أن زوجة مالك شركة مركزها في “سنتر صوفيل” وجدت “القنبلة” خلال تنظيفها مكتب زوجها، وعملت على رميها وأغراض أخرى غير مهمة في الحاوية. وقد تبيّن أن “شبيهة القنبلة” تستعمل لتثبيت الأوراق والزّينة! إذاً هكذا كان الجو. في المقابل كان التأهب جارياً على مستوى حلفاء زعيم تيّار “المردة” سليمان فرنجية. قبل أيام من الجلسة، وُضع الرئيس بري في جو معلومات أمنية متقاطعة حول وجود رغبة لدى بعض النواب في الاعتصام داخل الجلسة في حال وصول أزعور إلى الرقم 65 وإعلان أزعور رئيساً مع وقف التنفيذ، ولو أن ذلك ليس من صلاحيتهم. وعلى ما بدا، إستند أحد الأجهزة الأمنية إلى تقاطع تسريبات مصدره نواب و”مصادر” في “التقاطع”، طبعوا في خانة المتضررين من توجه كتلهم للسير بجهاد أزعور. وعلى ما بيّنته المعلومات، إنشغل الثنائي خلال تلك الليلة في إحصاء عدد المقترعين الدقيق لسليمان فرنجية، ومثلهم لدى مرشح “التقاطع”، وكان لا يزال خيار عدم الدخول إلى الجلسة وارداً كخيار “أهون الشرور” ولعدم الوصول في الجلسة إلى اشتباك سياسي حاد يأخذ البلد إلى وضع أصعب مما حصل عشية السابع من أيار. لكن ما جرى وساهم في تعديل موقف الثنائي وقراره في تلك الليلة، أنه تأكد على نحوٍ دقيق جداً، أن أزعور لن يلامس الرقم 60، وأن فرنجية سيتجاوز حدود الـ50 صوتاً بقليل. ولأن الفروقات ستكون طفيفة كان من الضروري حضور الجلسة. أخيراً، أكثر من عبّر عن “الراحة” لما هو مُضمر فعلاً وخشي منه “الثنائي” وارتاح لسقوطه في ما بعد، كان عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن عز الدين، وبين سطور تصريحه المُعالج بإبتسامة “مكراء” من زميله حسن فضل الله، ما يُفصح عمّا كان يُحضّر في مجلس النواب. |
ليبانون ديبايت