الانتخابات النيابية المبكرة هروب إلى الامام
ما طرحه نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد لقائه الرئيس نبيه بري لجهة الانتخابات النيابية المبكرة هو من نوع من الهروب إلى الأمام، كما تراه أوساط سياسية معارضة، أو هو شكل من أشكال عدم مواجهة المأزق الرئاسي دستوريًا، من خلال فتح دورات انتخابية متتالية، وليفز في هذه العملية الديمقراطية المرشح القادر على استقطاب أكبر عدد من الأصوات، والتي تتخطّى الـ 65 نائبًا. أمّا الذهاب إلى انتخابات مبكرة في هذه الظروف التي تعيشها البلاد فهو إدخال البلاد في الأنفاق المظلمة، والتي قد تكون أشدّ ظلمة من النفق الموجود فيه لبنان حاليًا.
وهذا الطرح، الذي يعتبره بعض “العونيين” تصفية حسابات سياسية مع رئيس “التيار الوطني الحر”، لن يمرّ ما لا يحظى بشبه اجماع نيابي، وهو أمر غير متوافر حاليًا. ولو كان هذا الاجماع مؤمّنًا لكان من السهل إجراء انتخابات رئاسية، خصوصًا أن الجلسة الثانية عشرة كشفت بما لا يقبل الشك بأن ثمة اتجاهين فاعلين داخل المجلس النيابي، مع وجود نواة خيارات أخرى لا تصبّ اتجاهاتها في أي من التوجهين المعاكسين والمتناقضين في كل شيء تقريبًا، حتى في تفسير ما جاء في مقدمة الدستور، التي تتحدّث عن انتماء لبنان إلى محيطه وإلى هويته العربية. وهذا الأمر يقود بعض الذين لا يزالون يتمسكّون باتفاق الطائف كإطار جامع وموحِّد إلى رفع الصوت والمطالبة بتطبيق مندرجاته كاملة، وألا يكون هذا التطبيق انتقائيًا كما هي الحال اليوم.
فالنواب الذين ينتمون إلى تكتلات سياسية متعدّدة غير متفقين على تفسير المواد الدستورية، التي تحتمّ بقاء مجلس النواب ملتئمًا في دورات متتالية حتى التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، الذي عليه أن يدعو فورًا، وبعد قسم اليمين، إلى استشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة ليباشر فورًا أيضًا باستشارات نيابية غير ملزمة تمهيدًا لتشكيل حكومة جديدة، مع ما تتطلبه تلك العملية من توافق داخلي على شكل حكومة العهد الأولى.
إلاّ أن هذا الأمر، وما فيه من تعقيدات، منها ما هو قديم ومنها ما هو جديد، يدخل في “بازار” التجاذبات السياسية، التي لا تزال تحول دون التوصّل إلى الحدّ الأدنى من التفاهمات على انقاذ البلاد عبر الانتخابات الرئاسية العالقة في عنق زجاجة الخصومات، التي تتعدّى بأبعادها المفصلية الأزمة الرئاسية لتطال شظاياها التركيبة الهيكلية للبلد، الذي يعيش أخطر مراحله في تاريخه، على حدّ تعبير أوساط سياسية محايدة.
فانطلاقًا من هذا الواقع – المأزق، الذي تعيشه البلاد، فإن أي طرح غير اللجوء إلى انتخابات رئاسية وفق ما ينصّ عليه الدستور سيعيد إحياء ما يذهب إليه البعض لجهة المطالبة بمؤتمر تأسيسي، الذي يرى فيه البعض حاجة لا بدّ منها في نهاية المطاف، وذلك من أجل أن تُطرح فيه كل الأمور الخلافية على مشرحة هذا المؤتمر، الذي يجب أن تتمثّل فيه كل القوى السياسية، التي يتكّون منها الوطن.
وفي رأي هذا البعض فإن ما يمكن أن يُطرح في هذا المؤتمر بمنتهى الصراحة والوضوح من شأنه أن يعيد تصويب الأمور على قاعدة إما التوافق على الأسس والخروج بقناعات مشتركة، وإمّا التفتيش عن صيغ أخرى غير الصيغة القائم عليها البلد حاليًا والمحكومة بالديمقراطية التوافقية، التي أثبتت التجارب فشلها في أكثر من استحقاق، وأهمّ هذه الاستحقاقات الانتخابات الرئاسية.
لبنان 24