الانفراج الرئاسي إلى ما بعد بعد “الصيفية”
ما بين ما أعلنه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان وهو يغادر لبنان، عن عودة عاجلة له “لأنّ الوقت لا يعمل لصالح لبنان”، وبين ما جرى في جلسة 14 حزيران من مشهدية سياسية لا تزال تردداتها قائمة حتى الساعة، اختصارٌ لواقع سياسي مأزوم من الصعب الخروج منه بسهولة. وهذا ما أوحت به مواقف مختلف القوى السياسية، التي كان لها لقاءات مع الموفد الفرنسي، مع ما لكل لقاء من “رمزية” حاول كل طرف استثمارها في خانة تعزيز حظوظ مرشحه في “الحصّة الفرنسية”، مع العلم أن لودريان كان قليل الكلام، وقد أعطي لهذا الكلام القليل معاني كثيرة، من قِبَل هذا الفريق أو ذاك الطرف بما يتناسب مع رغباته الرئاسية.
فمحور “الممانعة” رأى في إبقاء الموفد الفرنسي مرشحها الوزير السابق سليمان فرنجية إلى مأدبة الغداء في قصر الصنوبر إشارة فرنسية إلى أن باريس لا تزال متمسكة بمبادرتها السابقة والقائمة على التسويق لفرنجية داخليًا وخارجيًا.
أمّا في المقلب الآخر من المعادلة السياسية فيوحي أركان “المعارضة” بأن لودريان بدا منفتحًا على أي خيار آخر غير خيار “الممانعة”، مع العلم أنه لم يصرح لا صراحة ولا تلميحًا بأن باريس مصرّة على مبادرتها، خصوصًا بعد الموقف المسيحي المعارض لهذه السياسة، والذي تجّلى بوقوف “المعارضة” بأقطابها المسيحيين خلف ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور لرئاسة الجمهورية.
واستنادًا إلى هذه التفسيرات المتناقضات للمسعى الفرنسي الجديد فإنه يمكن القول بأن لودريان خرج من جولته الأولى بخلاصات لا تبعث إطلاقاً على التفاؤل بأيّ تبديل وشيك في معالم الأزمة الرئاسية، خصوصًا بعدما لمس مدى ضبابية الصورة الشديدة التعقيد، والتي تعكس حدّة الانقسامات السياسية حيال الأزمة الرئاسية والتضارب في الرؤى حيال المخارج الممكنة لها بما يستدعي تالياً تعاظم الشكوك في السبل المتاحة لفرنسا لاجتراح ما استعصى عليها تمريره في الأشهر الثمانية السابقة من عمر الفراغ الرئاسي.
ما يمكن استنتاجه من الجولة الأولى للموفد الرئاسي الفرنسي أن الحلّ الرئاسي غير متوافرة ظروفه حتى الآن، وأن البلاد ذاهبة في اتجاه المزيد من التصعيد، بعدما تبّين للقاصي والداني أن الدور الفرنسي نفسه بات في مأزق مماثل للمأزق الداخلي، حيث من المتوقع أن يكون لودريان في عودته الثانية في تموز على الأرجح على موعد مع المزيد من التعقيدات. وهذا ما يدعو المراقبين إلى توقّع أن يطوي الصيف اللبناني أوراقه من دون أن تلوح في الأفق مؤشرات توحي بقرب فكّ أسر الرئاسة الأولى المحاصرة بكل أنواع المخاطر.
وما قاله أيضًا لودريان عن عزمه في المرحلة التالية على “تسهيل حوار بنّاء وجامع بين اللبنانيين من أجل التوصّل إلى حل يكون في الوقت نفسه توافقياً وفعّالاً للخروج من الفراغ المؤسساتي والقيام بالإصلاحات الضروريّة لنهوض لبنان بشكل مستدام وذلك بالتشاور مع الدول الشريكة الأساسية للبنان”، لا يوحي، وفق أوساط سياسية مراقبة، بأن لدى فرنسا عصًا سحرية يمكنها تحريكها في هذا الاتجاه أو في الاتجاه المعاكس، وأن أي كلام عن حوار بين اللبنانيين غير ممكن في هذه الظروف الخلافية العميقة، التي يعيشها اللبنانيون، والتي تتخطّى بجوهرها مسألة رئاسة الجمهورية، على أهميتها، لتصل إلى عمق الأزمة القائمة على خلاف جذري بين محورين سياسيين على تحديد هوية لبنان.