تحذيرات خطيرة للبنانيين…صندوق النقد “مش عم يمزح”
الفرق بين اللبنانيين وبين الذين يتعاطون بالملف اللبناني في الخارج كبير جدًّا. الذين يُفترض بهم أن يتعاملوا مع قضيتهم الرئيسية بجدّية وعقلانية ومسؤولية نراهم يستخّفون بما يقدّم إليهم من نصائح خارجية صادقة، وإن اختلفت المواقف السياسية الداخلية من هذه الجهات الناصحة، التي لا أهداف سياسية لها في ما يمكن أن تقدم عليه من خطوات لا بدّ منها لكي يستطيع لبنان أن ينهض من كبوته الاقتصادية والمالية. ومن دون هذه المساعدة سيبقى لبنان يرزح تحت أثقال هو غير قادر على تحمّلها لوحده طويلًا.
فعندما يوجّه صندوق النقد الدولي تحذيرات إلى المسؤولين اللبنانيين يكون كمن يضع الأصبع على الجرح، وليس لأن لديه ثأرًا ضد لبنان واللبنانيين، بل على العكس فإن بيانه الأخير فيه الكثير من النقاط، التي يجب أن يتوقف المرء عندها، لأن مجلسه التنفيذي لا يمزح في مسائل جدّية بهذا الحجم من الخطورة، التي لا يريد بعض المسؤولين عندنا رؤيتها بعيونهم المجردّة من الغايات التي تعمي البصر والبصيرة، وهم مستمرّون في ممارسة لعبة النعامة، التي تدفن رأسها في الرمال. فلا هم يرون ويحاولون منع الآخرين من رؤية الحقيقة الصعبة.
فصندوق النقد لا يمزح في مثل هكذا مسائل حسّاسة ومصيرية، و لا يساوم أيضًا، وليس في وارد تزوير الحقائق أو تشويهها. فهو يقول الحقيقة كما هي. وما على الآخرين سوى التعامل مع هذه الوقائع بكثير من الجّدية. ولكن هذا الأمر غير وارد، على ما يبدو، بالنسبة إلى بعض المسؤولين، الذين يفضّلون عدم تحمّل المسؤولية، ويكتفون بإلقاء تبعاتها على الآخرين، وذلك لتبرير فشلهم وقصورهم في تحمّل أي مسؤولية، تاركين البلاد تنهار وكأن “لا مين شاف ولا مين دري”.
ما جاء في تقرير المجلس التنفيذي لصندوق النقد قد لا يكون جديدًا بالنسبة إلى توصيف الوضع المتهالك في لبنان الذي “يُواجه أزمة مالية ونقدية سيادية غير مسبوقة لا تزال مستمرة لأكثر من ثلاث سنوات”.
وفي جديد التقرير أنه توقّع ارتفاع الدين العام اللبناني إلى 550% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام2027 إذا استمر الوضع القائم حاليًا على ما هو عليه. وعاتب المجلس المسؤولين لأنهم لم يأخذوا بما قُدم إليهم من نصائح. وكشف أنّ تأخير إعادة هيكلة القطاع المالي في لبنان كلفت المودعين عشرة مليارات دولار منذ العام 2020.
وفي التقرير أيضًا أرقام مخيفة ومقلقة، إذ شهد الاقتصاد اللبناني انكماشًا ناهز 40 في المئة ، وأن الليرة اللبنانية فقدت 98% من قيمتها، وأن التضخم سجل معدلات غير مسبوقة، كما أن المصرف المركزي خسر ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي.
وفي التقرير أيضًا ما يدعو إلى القلق، ومن بين المسائل، التي حذّر منها الصندوق الدولي ما يلي:
– إن تسارع وتيرة الهجرة اللبنانية الخارجية، لا سيما لأصحاب المهارات، سيؤدي إلى تقويض النمو مستقبلًا.
– إن الاستثمار في رأس المال المادي سيكون محدودًا.
– إن المصارف لن تتمكّن من أداء دورها المهم في توفير الائتمان.
– أن تباطؤ النمو الحقيقي سيستمر.
– إن الوضعية الخارجية ستشهد تقلبات حادة في ظل المساعدات المحدودة من الشركاء المتعددي الأطراف والإقليميين.
– إن الدين العام سيظل على مسار غير مستدام نظرًا إلى أنه من المستبعد السير في إعادة الهيكلة في ظل غياب الإصلاحات، مما سيحد بدرجة كبيرة من قدرة الدولة على الاقتراض.
فمع هذا الحجم من التحذيرات والمخاوف والهواجس فإن هؤلاء المسؤولين المشار إليهم لا يزالون يتصرّفون وكأن أمور البلاد على خير ما يرام. وهذا ما يدعو إلى الحزن والقلق في آن.
لبنان 24