هل يصبح لبنان ملاذًا للإخوان المسلمين
وأخيراً، وجدت جماعة الإخوان المسلمين ضالتها في إيجاد ملاذ آمن في العالم العربي، بعد التضييق على مسؤولي الجماعة وأعمالها في تركيا إثر التقارب المصري ـ التركي، وإمكانية حذو قطر حذو أنقرة بفعل التفاهمات مع الدول الخليجية.
التقاربات الإقليمية وعودة المياه إلى مجاريها بين “الجماعة الإسلامية” و”حزب الله” بعد تدخل حركة “حماس”، أتاح على ما يبدو الفرصة أمام “الإخوان” للتخطيط من أجل إيجاد الملاذ الآمن، وليس ببلد أفضل من لبنان بشكله الحالي، فبيروت لا تزال مغيّبة عن الرادارات الإماراتية – السعودية، أما مصر فغائبة حتى الساعة. هذه العوامل جعلت جماعة “الإخوان” تصل إلى قناعة مفادها أن أهل السنّة متروكون لمصيرهم، وبيئتهم أينعت وحان موعد القطاف.
الحالة الإخوانية في لبنان ليست بجديدة، وإنما حاضرة ولو بانتشار غير كثيف منذ عقود، رغم الخلافات الضاربة بين أجنحة ركيزتها الأساسية المتمثلة بـ”الجماعة الإسلامية”.
وبحسب المراقبين، فإن ل”الإخوان المسلمين” في لبنان أكثر من وجه، معلوم ومجهول، فاقع وناعم ينسلّ بين أروقة المجتمع السنّي، وثالث متأثِّر بحركتهم، رغم عدم انتمائه إليهم كحال “السلفيين” الذين أضحوا كالأيتام منذ عام 2014 على وجه التحديد، وإذا كانت “الجماعة الإسلامية” تُعَدّ الوجه الفاقع ل”الإخوان” على امتداد الأراضي اللبنانية، فإن تلامذة حسن البنا وسيد قطب وصلوا إلى قناعة مفادها أن الزمن الحالي هو زمن التمكين، وليس بأفضل من العمل الخيري والاجتماعي لاختراق الساحة السنّية المهيّئة في الوقت الحالي بفعل غياب المرجعيات، فأوجدوا العديد من التنظيمات في بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع للإطباق على أهل السنّة وجذبهم إلى مشروعهم، دون لفت النظر على الأقل في البدايات.
ومن بين المنصّات التي تعمل على خدمة “الإخوان” اليوم من خلال الفكر والمنهج وباستقلالية ظاهرية عن “الجماعة الإسلامية”، تقف جمعية “الإرشاد والإصلاح”، والتي يتفرّع منها جمعية “إرادة” التي ينضوي تحت لوائها كبار رجال الأعمال والمتموّلين.
ويقود جمعية “الإرشاد والإصلاح” جميل قاطرجي – شقيقه الشيخ حسن قاطرجي يرأس جمعية “الاتحاد الإسلامي، ذات التوجّه الإخواني السلفي – وتعمل الجمعية في الوقت الحالي على تقديم المساعدات الخيرية والاجتماعية، هذه الخطوة تخوّلهم الدخول إلى منازل أهل السنّة لجذبهم في وقت لاحق إلى الدروس والنشاطات الدينية الهادفة إلى إبراز منهج “الإخوان المسلمين” والتبشير به.
كما نجحت الجمعية مؤخراً، وبفعل ترهّل المؤسّسات الدينية في الدولة اللبنانية، وعلى رأسها دار الفتوى بفعل الأوضاع الاقتصادية في التمدّد إلى دار الإفتاء (المؤسسة الدينية الأم لأهل السنّة)، وذلك من خلال دفع رواتب معلمي التربية الدينية في المدارس، وأئمة المساجد في بعض المناطق، مما بدأ يطرح تساؤلات كبيرة حول كمية الأموال الضخمة التي تُوزّع ومصادرها.
أما “إرادة” فيبدو أن القيّمين عليها أسقطوا تجربة المهندس خيرت الشاطر، أقوى شخصية إخوانية في مصر والمسجون حالياً، والذي كان يجمع رجال الأعمال الذين يدورون في فلك “الإخوان” تحت مظلته، واللافت أن “إرادة” طوّرت تجربة الشاطر، فباتت تضم رجال أعمال ذو توجّه إخواني، وآخرون لا ينتمون إلى أفكار الجماعة، ولكنهم يقدّمون المساعدات بنيّة الأعمال الخيرية.
وسط هذا الاجتياح المقنّع تبرز تساؤلات كثيرة، فهل تبقى حركة “الإخوان” كدبيب النملة السوداء، حتى يكتمل المشروع، ويصبحون قوة هائلة في الشارع السنّي تماثل قوة تيار “المستقبل” في عزّ قوته، أما أن محاربي الفكر “الإخواني” في مصر والخليج لن يسمحوا ل”الجماعة” بالتمدّد في بلاد الأرز، على قاعدة أن ما دُفن في القاهرة، لا يمكن إحياؤه في بيروت.
“ليبانون ديبايت” – المحرر السياسي