المضاربون “جهّزوا” للانقضاضِ على الليرة بعد 31 تموز…
يدخل لبنان «الأسبوع النقدي» الحاسم مفتقداً الوصفة الناجعة والنهائية لاحتواء الشغور في موقع حاكم البنك المركزي نهاية الشهر الحالي، فيما تتعاظم المخاوف الى مستويات الذعر الشديد في الأوساط كافة وبما يضمّ الأطراف السياسية، وقبْلها المصرفية والمالية، من تبعات تفشي عدوى الفراغات الى السلطة النقدية.
وبدءاً من إبطال الاستقرار الهش والمصطنَع لسعر صرف الليرة بمفاعيل منصة «صيرفة».
ورغم تَمَرُّس الدولة اللبنانية، بسلطاتها المتنوعة، في لعبة تأخير القرارات المصيرية والحساسة الى «اللحظات» الأخيرة، فإن الوقائع المتتالية الخاصة بملف الحاكمية تشي بفشل مفزع، بعدما استقطعتْ مجمل الوقت المتاح لاخراج «أرانب» المعالجة من جيوب أهل الحل والربط في السلطتين التشريعية والتنفيذية ومركزيات القرارات الداخلية، ولم يتبق سوى أيام قليلة على احتمال فراغٍ نقدي كبير سيدهم البلد صباح الأول من اغسطس المقبل.
ويبدو قرار «الصمت» من قبل سلامة وعدم التعليق بتاتاً على تحركات نوابه واجتماعاتهم المغلقة داخل البنك المركزي والمفتوحة في قاعة مجلس النواب، أشبه برد كرة التخلي عنه إلى أحضانهم وترْكهم يُبْدون ما يضمرونه من تَهَيُّبٍ في حمْل مسؤولية صنع القرار النقدي، فيما هو يُظْهِر في المقابل التزاماً بالموقع ومهامه كافة رغم ما يواجهه من عواصف سياسية وقضائية، وأنه مستمر بممارسة وظيفته حتى منتصف ليل 31 تموز الحالي.
وفي الواقع، وفق تحليل مسؤول مصرفي، فأن «يلوذَ» النواب الأربعة للحاكم بالاستقالة كسبيلٍ أخير ومحتمَل أمامهم للخروج «الآمن» من المأزق القانوني الذي يوليهم مسؤولية القرار النقدي وتبعاته في مرحلة الفراغات الداخلية والانهيار المستمر، يضع الحكومة أمام احتمالين لا ثالث لهما غير بلوغ مرحلة الفراغ التام في قيادة البنك المركزي، والمحفوفة حسياً بالفوضى النقدية التي تولّد تفاقُماً للأزمات المعيشية، وربما التوترات الأمنية.
ويستلزم الحلُّ الأنسب حصولَ تَوافُقٍ داخلي «عجائبي» وسريعٍ يتيح للحكومة تعيين حاكم جديد قبل نهاية الشهر الحالي.
لكن هذا الخيار معقّد الى حدود التعذّر، نظراً إلى الهوة الكبيرة الفاصلة بين مواقف الأطراف الفاعلة والربط غير المعلَن بين موقعيْ رئاسة الجمهورية والحاكمية من جهة، ولضرورة قيام الحاكم الجديد بأداء القَسَم أمام رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء مجتمعاً بنصابه الكامل بوصفه ينوب عن الرئيس.
أما الاحتمال الثاني، ودونه أيضاً عراقيل لا تقلّ تعقيداً عن الخيار الأول، فيقضي بالطلب الى سلامة وفريق النواب الأربعة، «الاستمرار بتسيير المرفق العام» رغم اللغط السياسي المرتقب والملابسات القضائية التي تلاحق الحاكم لدى محاكم محلية وخارجية.
وبالتوازي، يعكس التوترُ المتصاعد في أسواق المبادلات النقدية جهوزيةً شبه مكتملة لانقضاضِ المُضارِبين على سعر صرف الليرة، ولا سيما بعدما أيْقنوا أن خيارَ الانتقال القانوني البحت للموقع ومهامه من الحاكم رياض سلامة (الماروني) الى نائبه الأول وسيم منصوري (الشيعي) محفوف برفْض الأخير وبالتوافق المعلن مع أقرانه الثاني بشير يقظان (الدرزي) والثالث سليم شاهين (السنّي) والرابع الكسندر موراديان (الأرمني) لسياسات السلَف وتعاميمه الاستثنائية ومنصّته الدولارية.
وزاد في الطين المائع بلّة، بحسب مسؤول مصرفي معني ومتابع تواصلت معه «الراي» التسلّل الوزاري والنيابي الى اجتماعات «العصف الفكري» لنواب الحاكم الأربعة، ودفْعهم بإدراك البعض منهم وغفلة البعض الآخَر إلى رهْن ارتضاء مسؤولية الحاكمية كفريق متضامن، بالتزاماتٍ مسبَقة من مجلس النواب والحكومة لمجموعة شروط قانونية واجرائية مبرمَجة ضمن مواقيت محددة أقصاها شهر نوفمبر المقبل، على أن يقبلوا في المقابل تغطية الصرف لمصلحة الدولة وموظفيها من «الرمق» الباقي لاحتياطات العملات الصعبة.
وبخلافِ مضمون البيان المشترك والنادر الذي أصدره نواب الحاكم أنفسهم يوم السادس من يوليو الحالي وأنذروا فيه الحكومة بالاستقالة من مناصبهم في حال عدم إقدامها على تعيين حاكم جديد قبل نهاية الولاية الخامسة لسلامة، بدت مذكّرتهم المرفوعة إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية يوم الخميس الماضي، وفق المسؤول المصرفي، أشبه بستار سميك لحقيقة ذعرهم من قبول المسؤولية البالغة الدقة والحساسية، وخطوة صريحة لرمي كرة النار النقدية في أحضان السلطتين التشريعية والتنفيذية على قاعدة «اللهم اشهد اننا قد بلّغنا».
والحال أن ما احتوتْه ورقة العمل يَفترض أن البلد في أفضل أحواله الدستورية وأن مؤسساته العامة منتظِمة وفق مواصفات «الحوكمة الرشيدة»، ولا سيما لجهة وجود مناخات سياسية نموذجية تستهلّ الاستجابة لسلّة الشروط وضمن المهل المحددة، بما في ذلك تعويم سعر الليرة وإقرار موازنتيْ السنة الحالية والمقبلة مذخرتيْن بإصلاحات مالية وإدارية، وتشريع الضوابط الاستثنائية على الرساميل والسحوبات من الودائع (كابيتال كونترول)، وإعادة هيكلة المصارف، وإنشاء منصة نقدية بديلة، ومد اليد «القانونية» على الاحتياطات.
ومن المستغرَب أن يغفل النواب الأربعة أنهم لفتوا في بيانهم الأسبق قبل أيام الى «أن المصارف المركزية ترسم سياساتها النقدية بالتوافق مع سياسة الدولة العامة، والتي هي للأسف غير متجانسة في الوضع الراهن للدولة اللبنانية.
كذلك الأمر لجهة غياب خطة شاملة وواضحة لإعادة التوازن المالي والمصرفي، كما وتحقيق توازن في موازنة الدولة، ما يسمح للمصرف المركزي بوضع الأسس النقدية والمالية لإعادة الثقة». كما أكدوا صراحة إدراكهم لواقع «التباينات السياسية التي تجلت في العجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية وملء الشواغر في إدارات ومؤسسات الدولة اللبنانية، وانعكاسها على عمل السلطات التشريعية والتنفيذية»، إضافة الى «عدم توافق القوى السياسية في مقارباتها لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية».
الراي