بعد ساعات على إعلان وقف إطلاق النار بين فتح و«الشباب المسلم»، بدأ أهالي عين الحلوة الذين نزحوا هرباً من الاشتباكات الأخيرة بالعودة إلى منازلهم بعد خمسة أيام من مغادرتها. غير أن بعضهم سرعان ما غادروا مجدّداً بعدما عاينوا حجم الدمار والخراب اللذيْن لحقا بمنازلهم.
«عوضنا على الله» هي العبارة الأكثر ترداداً رداً على السؤال الأكثر انتشاراً في المخيم: «من سيعوّض علينا؟». عجوز في حي حطين استعادت نشاطها المعتاد صباح أمس بعد انتهاء المعارك. لكنها لا تعرف إن كان الهدوء هُدنة أو سلماً دائماً. «هدولا (تشير إلى المقاتلين الإسلاميين المتشددين) هياهن ورانا هونا بالملعب، وإحنا بالشوارع، ما بيخَوفو، إجت اليهود عالمخيم وما خِفنا وضلينا قاعدين هونا، شوف يمّا ما بيصيبنا شي الا وبيكون ربنا كاتبو علينا».
فتحت الحاجة السبعينية دكانها في الحي – المحرقة بعدما أحالت الاشتباكات جزءاً منه إلى لوحة سوداء صبغت صفاً طويلاً من المنازل والدكاكين والسيارات والأشجار. الدمار والخراب تركا بصماتهما بشكل خاص في أحياء الطوارئ والبراكسات والصفصاف والتعمير التحتاني.
على مدخل زاروب، مقاتل إسلامي ملثّم مدجّج وفي حال استنفار. في مقابله، مجموعة من مقاتلي فتح وقد غلبهم التعب من القتال. الزاروب تحوّل إلى حطام والجدران مزّقتها فجوات تحوّلت إلى «طلاقيات» ومتاريس لإطلاق الرصاص من خلفها.
الله ينتقم منهم كلّياتن»، يصرخ صاحب ورشة حدادة إفرنجية وهو يتفقّد الأضرار التي لحقت بورشته. بصعوبة يرفع باباً جرّاراً مشيراً إلى الحطام. «هذا مصدر عَيشي، خربوا بيتي وقطعوا رزقي، انشالله ربنا بيقطع بأرزاقِن ويبعتلن ضربة بأولادن».
جاره أبو محمد خرج بالبيجاما لاختبار الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي سمع عنه في التلفزيون فيما كان تبادل الرصاص والقنابل والسباب مستمراً بين الفتحاويين والإسلاميين. استغرب حين وقعت عيناه على صحافيين وصلوا إلى حيه، فانفجر غضبه المحتقن منذ أيام: «دمار وخراب، والناس ما معها مصاري لتصلّح، والشعب هونا ميّت من الجوع». يأخذنا أبو محمد في جولة في المربع الأسود. يجر بقدميه «شحّاطة أصبع» يخوض فيها بالرماد الذي غطّى الإسفلت: «هذه بوسكلِت ابن جيراننا احترقت وهي معلقة على الحيط، وهذه سيارة قرايبنا صارت رماداً، وهاديك المرسيدس لأخو جارنا تخزقت بالرصاص وراح زجاجها». بصعوبة يخلع باب المرسيدس ويلتقط منفضة الريش ليزيح بها الزجاج المحطّم وطبقة الغبار الأسود من آثار الحرائق. «شو بدنا نقول اذا سبينا هَدول او هدلاك كأننا عم نسب ع حالنا، طول عمرنا مشحّرين ورح نضل». هي سيارة أخيه التي يعمل عليها «سرفيس». أما «سيارتي فكمان أكلِتها رشق بالموتور بالميلة التانية من الحي».
المصدر: الاخبار