في الذكرى السنوية الثالثة لانفجار آلاف الأطنان من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وسقوط 235 ضحية و7000 جريح وتهجير 300 ألف شخص ودمار 750 ألف مسكنٍ وأضرار مادية بملايين الدولارات، أتى من يستغل فاجعة اللبنانيين ومأساة أهالي الضحايا والجرحى، في فيلم خيال علمي أميركي جديد بعنوان “The Creator” والذي يستغل كما بدا في إعلانه الترويجي، اللحظة الصادمة لانفجار 4 آب 2020، ويستخدمها كجزء من الفيلم، بعد استخدام تقنيات بصرية لتغيير صورة مدينة بيروت وجعلها تشبه مدينة لوس أنجلوس الأميركية، بما في ذلك من تمويه للمباني والمعالم.
إنتقادات عدة تعرض لها الفيلم المذكور بسبب المشاهد الحقيقية للإنفجار “النووي” والذي لم يكن سوى انفجار النيترات في مرفأ بيروت، لكن ردة الفعل الأكبر كانت في لبنان بسبب هذا الإستغلال، والذي يستدعي ملاحقة قانونية للمسؤولين عن هذا العمل اللاأخلاقي وذات الطابع التجاري، خصوصاً وأن هذا الإستخدام، ووفق عضو مؤسسة JUSTICIA الحقوقية، المحامية مهى داغر، يفتح الباب لتساؤلات قانونية وأخلاقية حول استغلال مأساة حقيقية عاشاها شعب بكامله في سبيل فقط خلق جو من الإثارة في سياقٍ خيالي.
وتؤكد المحامية داغر في حديثٍ ل”ليبانون ديبايت”، أن استخدام هذا المقطع، يثير الحساسيات والمشاعر في ظل تواجد الأحداث الواقعية في الذاكرة الجماعية لأهل الضحايا الذين لم يحصلوا إلى اليوم على حقيقة ما حصل أو حتى العدالة لأحبائهم، كما أنه يطرح أيضاً تساؤلات حول من اتخذ القرار بتضمين المقطع وتعديله رقمياً في الفيلم، وحول ما إذا كان سيتم استخدامه فقط في الإعلان الترويجي للفيلم أم سيكون جزءًا من النسخة النهائية له”.
أمّا على الصعيد القانوني، فتعتبر داغر أنه يمكن للأشخاص المتضررين “مقاضاة مخرجي الفيلم إذا وجدوا أنه يسيء تمثيل حوادث حقيقية، ويسبب لهم الأذى النفسي أو يجرح مشاعرهم بشكل غير مبرر، ويقع على عاتقهم إثبات أن هذه المشاهد قد عرّضتهم لأذى معنوي ونفسي وأن هناك تشويهاً للحقائق”.
وتوضح داغر إلى أن هذه الدعاوى لن تكون الأولى من هذا النوع، التي ترفع، مشيرةً إلى عدّة سوابق تعدّد منها داغر الدعاوى التالية:
1 بعد صدور فيلم “تيتانيك” في عام 1997، تقدم بعض أهالي ضحايا حادث غرق السفينة بدعاوى قضائية زعموا فيها أن الفيلم يسيء تمثيل أحداث حقيقية وأشخاص حقيقيين ويسبب لهم الأذى النفسي.
2 بعد صدور بعض الأفلام والوثائقيات التي تناولت هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، قام بعض أهالي الضحايا بمقاضاة الشركات الإنتاجية والمخرجين بسبب التصوير الحساس للأحداث وتأثيرها النفسي عليهم.
3 في فيلم الإثارة الأبوكاليبتيكي “Bird Box” الذي عرضته “نتفليكس” عام 2018 (إخراج سوزان بيير / بطولة ساره بولسون وساندرا بولوك)، استُخدمت مقاطع فيديو لكارثة قطار لاك مغانتيك في مقاطعة كيبيك في العام 2013، والتي أودت بحياة 47 شخصاً، وصُنّفت رابع أكبر حادث لناحية عدد القتلى في تاريخ كندا، ضمن تقرير أخبار تلفزيونيّة مزيّفة.
4 “هيليكوبتر بيبي باص” وهو فيلم تايلاندي صدر عام 2012 ويتناول حادث تحطم مروحية نقل طلاب في عام 1999. وقد تقدم بعض أهالي الضحايا بدعاوى قضائية ضد صنّاع الفيلم بزعم تشويه سمعة الضحايا وتشويه الحقائق حول الحادث.
وعلى مستوى التأثيرات البصرية المستخدمة في الإعلان الترويجي للفيلم الذي سيعرض في أيلول المقبل، تقول داغر إنه “بالرغم من تحدّيات تصميم تفجيرات ثلاثية الأبعاد في المشاهد الحضرية من الصفر، فإن خبراء التأثيرات البصرية والسمعية يرون أن استخدام مقاطع فيديو للانفجار في مرفأ بيروت يعدّ طريقة ملائمة في عالم السينما، إذ تُعزز هذه الطريقة من واقعية التأثيرات البصرية وتستند إلى مراجع حقيقية لتحقيق نتائج واقعية متقنة، وتُعتبر أيضًا خياراً إقتصادياً، إنما ومع ذلك، فإن هذا الفيلم وقع في فخٍ أخلاقي لا يمكن تجاهله، فهم متهم بالإستفادة من مأساة حقيقية، بهدف تحقيق إثارة إضافية، وهو أمر يثير تساؤلات حول التوازن بين الإبداع والإحترام تجاه الأحداث الواقعية ومشاعر الجمهور”.
المصدر: ليبانون ديبايت