من أحداث عين الحلوة إلى التحذيرات الأمنية… ما الذي يُحضَّر للبنان

من أحداث عين الحلوة إلى التحذيرات الأمنية… ما الذي يُحضَّر للبنان

خلافًا لما كان متوقَّعًا، لم يتصدّر الشأن الاقتصادي والمالي الاهتمامات في الأسبوع الأول ما بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، بعدما ذاب الثلج وبان المرج إن جاز التعبير، وأفضى تسلّمًا وتسليمًا “سَلِسًا”، من دون ارتفاع “جنونيّ” تكهّن به بعض من يصنّفون أنفسهم “خبراء ماليّين”، ولا سيما بعد تجاوز “شبح استقالة” كان نواب الحاكم، وعلى رأسهم النائب الأول وسيم منصوري، الذي بات حاكمًا بالوكالة، يلوّحون بها.

ولعلّ “السلاسة” نفسها هي التي طبعت الذكرى الثالثة لجريمة انفجار مرفأ بيروت، التي أحياها أهالي الضحايا على عادتهم، ببعض التحرّكات التي لم يكن مقدَّرًا لها أن تتحوّل إلى “ثورة” يعتقد كثيرون أنّها أكثر من “مشروعة”، في ظلّ إصرار المسؤولين في الدولة على تحويل أحد أكبر الانفجارات النووية إلى مجرد حادث “قضاء وقدر”، ولا سيما بعد “إقفال” ملف التحقيق بكلّ بساطة، توازيًا مع “إفراغ” السجون من كلّ الموقوفين بالقضية، دفعة واحدة.

لكن، بين هذا وذاك، كان الأسبوع اللبناني “أمنيًا بامتياز”، مع تصدّر اشتباكات مخيم عين الحلوة جنوبًا دائرة الاهتمام، ولا سيما في ظلّ الكثير من علامات الاستفهام، وربما “الريبة” التي أحاطت بها، وسط تساؤلات عن الخلفيات الحقيقية التي أفضت إلى “تفجير” الأوضاع في أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بهذا الشكل، وبالتزامن مع اجتماع كان يفترض به أن يكرّس “مصالحة فلسطينية”، أضحت بدورها “مهمّة مستحيلة”.

وإذا كان “الهدوء النسبي” تكرّس مع نهاية الأسبوع، بعد “ترنّح” أكثر من اتفاق لوقف إطلاق النار، لم يكن بعضها يصمد لدقائق قبل أن يُخرَق، جاءت البيانات “التحذيرية” من قبل بعض الدول، وعلى رأسهم السعودية، التي وصل استنفارها لحدّ دعوة رعاياها إلى مغادرة لبنان “فورًا”، لتطرح من جديد أكثر من علامات الاستفهام، فأيّ ربط بين كلّ هذه الأحداث؟ هل من شيءٍ يُحضَّر للبنان؟ وهل يندرج ما يجري في خانة “الضغط” على وقع الجمود السياسي؟.

يتّفق العارفون على أنّ الاشتباكات التي شهدها مخيّم عين الحلوة الأسبوع الماضي، والتي لم تنفع معها كلّ الوساطات لأيام بدت “طويلة جدًا” للعاملين على خطّها، لم تكن بريئة، حتى إنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نفسه وصفها بـ”المريبة”، رافضًا تحويل لبنان مرّة أخرى إلى “صندوق بريد” لتبادل الرسائل الإقليمية، بل ذهب لحدّ اعتبارها “انتهاكًا لسيادة لبنان”، مخاطبًا الفلسطينيين بالقول إنّ الأرض الفلسطينية “ليست سائبة”.

قد يكون ما قاله ميقاتي وفق المتابعين، جزءًا من محاولة “احتواء الوضع”، خصوصًا بعد أن أعادت الاشتباكات “غير العفوية”، برأي كثير من اللبنانيين، إحياء نقاشات اعتقد البعض أنّها أصبحت “من الماضي”، حول السلاح الفلسطيني في لبنان، وواقع المخيّمات “العصيّة” على الدولة اللبنانية، بدليل صدور بعض الدعوات لتجريد المخيّمات من السلاح، وبسط سيطرة الدولة عليها، مهما كان الثمن، فضلاً عن “إلغاء” الحالات الأمنية الشاذة.

وفي حين دفع هذا النقاش الكثيرين إلى التوجّس من سيناريو “نهر بارد” جديد قد ينطلق من مخيم عين الحلوة هذه المرّة، وسط إشاعات انتشرت كالنار في الهشيم عن “تمدّد” الاشتباكات لتشمل كلّ المخيمات الفلسطينية في لبنان، بل لتخرج من دائرة المخيمات، ولا سيما مع وصول “الرصاص الطائش” إلى مدينة صيدا وأحيائها، كان اتفاق على أنّ الضحية الأكبر لكلّ ما حصل، كانت مرّة أخرى “القضية الفلسطينية” التي تُضرَب في كلّ مرّة في الصميم.

ورغم أنّ الهدوء، ولو بقي “حَذِرًا” عاد ليسيطر على عين الحلوة، فإنّ ذلك لم يحجب سلسلة من الهواجس داخل لبنان عن الأهداف الحقيقية لتفجير الوضع في المخيمات الفلسطينية في هذا التوقيت، وثمّة من ربطها بالواقع السياسي الداخلي، ورغبة البعض بتوجيه “الرسائل” عبر الساحة اللبنانية، التي قد تكون “بيئة خصبة” لذلك، ولا سيما في ظلّ الفراغ الآخذ في “التمدّد”، والذي يقترب من موقع قيادة الجيش الأكثر حساسيّة في غضون أشهر قليلة.

في هذا السياق بالتحديد، قد تندرج أيضًا التحذيرات الأمنية التي صدرت في عطلة نهاية الأسبوع، والتي انطوت على “مبالغات غير مفهومة” برأي كثيرين، خصوصًا أنّها لم تتزامن مع اندلاع الاشتباكات في عين الحلوة مثلاً، بل مع تثبيت الهدنة على خطّها، ما دفع كثيرين إلى التساؤل عن خلفيّاتها الحقيقية، فهل هي مرتبطة بمجرد مخاوف من انزلاق الوضع إلى ما هو أخطر، أم هي مبنيّة على معلومات ووقائع؟ وماذا عن فرضية أن يكون الأمر “سياسيًا”؟.

يبدو أن أكثر من وجهة نظر تُطرَح في محاولة للردّ على هذا السؤال، فهناك من اعتبر بيانات التحذير “روتينية” ليس إلا، وثمّة من وضعها في خانة “الاستهلاك الإعلامي” بشكل أو بآخر، ولا سيما أنّ بعض الدول التي أصدرت تحذيرات، سبق أن حذّرت رعاياها من القدوم إلى لبنان، وهو تحذير بقي ساريًا رغم الاستقرار الذي عاد إلى البلاد، وكذلك إلى العلاقات الثنائية، علمًا أنها لم تقرن تحذيرها الجديد بوقائع من شأنها “تبريره”.

ورغم حرص المقرّبين من هذه الدول على النفي السريع لكلّ التسريبات حول “توظيفات إقليمية” لهذه التحذيرات، تبقى هذه الفرضية أكثر من قائمة وفق بعض الأوساط، التي تشير إلى أنّ التحذيرات الأمنية قد تكون بمثابة “رسالة عابرة للحدود”، ترتبط بشكل خاص بالمفاوضات السعودية الإيرانية التي يبدو أنّ زخمها “تراجع بعض الشيء”، قبل أن يحصل لبنان أصلاً على “حصّته” منها، وهو ما ينتظره منذ أشهر.

وإذا كانت التحذيرات الأمنية أقلقت الكثير من اللبنانيين، الذين تساءلوا عمّا إذا كانت البلاد مقبلة على واقع “أخطر” من ذلك الحاليّ، فإنّ فرضية “الضغط السياسي” تبقى برأي المتابعين الأكثر إثارة للانتباه، فماذا لو توالت التحذيرات من الدول الخليجية كما حصل في وقت سابق، عندما “غضبت” دول الخليج على لبنان؟ وماذا لو كانت مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، الذي قد لا تكون بعض هذه الدول “راضية” عن مساره، خصوصًا بعد اجتماع الدوحة الأخير؟.

بعيدًا عن نظرية المؤامرة، التي قد تحافظ على عناصر “الجذب والتشويه”، لكنّها ما عادت “مقنعة” لكثيرين، يبدو أنّ الخشية من أن يكون ثمّة “ما يُحضَّر” للبنان تبقى “مشروعة” رغم كلّ شيء، لكنّها “خشية” لا يكفي أن يتعامل معها اللبنانيون بالقلق والحذر، أو حتى باتخاذ بعض إجراءات “الحيطة”، بل يجب أن يقاربوها بكلّ حزم، و”الحزم” هنا قد لا يعني سوى إنهاء الفراغ الرئاسي وما يتفرّع عنه، اليوم قبل الغد، وبلا أيّ حسابات تعبّر في الواقع عن “أنانيّة واضحة”!.

النشرة

Exit mobile version