مافيا إيطاليّة في بيروت… من يحميها
تحت عنوان “مافيا إيطاليّة في بيروت: من يحميها؟” كتب جان عزيز في اساس ميديا”:
مرّ أكثر من شهر على هذه الحادثة. وسط صمت مطبق مريب. تفاصيلها تشير إلى مخاطر كثيرة. وحيثيّاتها تشي بأكثر من فضيحة.
لقد اعتاد لبنان الفضائح؟ ليس كهذه من قبل.
***************************
كانت الساعة 11 و4 دقائق قبل منتصف ليل 7 تموز الماضي، حين أعلنت منظمة البوليس الدولي (إنتربول) القبض على أحد زعماء المافيا الإيطالية. واسمه بارتولو بروتزانيتي. مكان التوقيف لبنان.”
واضاف كاتب المقال:
“تفاصيل القضية تجعل منها قصّة مليئة بالألغاز والأسرار. لا بل تجعل منها فضيحة مكتملة العناصر. فلنستعرضها ولنكتشف معاً.
– أوّلاً، ليس الموقوف شخصاً مطلوباً عاديّاً. ولا مجرّد اسم أو صورة وجه ضمن آلاف لائحة الإنتربول. إنّه بارتولو بروتزانيتي. عمره 47 عاماً. أحد رؤوس أكبر منظمة إجرامية دولية في العالم اليوم. والمعروفة بمافيا “ندرانغيتا” (Ndrangheta) أو الشجعان.
هي المافيا التي تتّخذ من منطقة كالابريا الإيطالية معقلاً لها. والتي تفوّقت في الأعوام الأخيرة على مافيا كوزانوسترا الصقلية الشهيرة. علماً أنّ أبرز مجالات نشاطها تجارة المخدّرات.
– ثانياً، لم يكن المافيوزيّ الإيطالي يعيش حياة عاديّة طبيعية في تنقّلاته وسفره. ليستقلّ طائرة تجارية ويأتي في رحلة سياحية إلى بيروت.
ففي تشرين الأول 2022 داهمت القوى الأمنية الإيطالية مركزاً له في مدينة ميلانو. تمّ ضبط بعض موجوداته: 645 كيلوغراماً من الكوكايين. 240 كيلو من الحشيشة. و30 كيلو من الكيتامين. ونثريات أخرى…
نجا بروتزانيتي من المداهمة. هرب وتوارى عن الأنظار. ثمّ راح يهدّد السلطات الإيطالية بردّ عنيف.
الإقامة “العاديّة” في جونية
فجأة ظهر في لبنان. وهو ما قد يشير إلى أنّه كان مقيماً في ربوعنا لنحو عشرة أشهر بأمان وسلام.
– ثالثاً، تواصلت السلطات الإيطالية مع المديرية العامّة للأمن العامّ اللبناني، دون سواها من الأجهزة. بعد تنسيق ومعلومات إيطالية دقيقة، أُلقي القبض على المافيوزيّ، في 7 تمّوز الماضي.
لم يكن متخفّياً. ولا مختبئاً أو طافراً. كان في مكان عامّ. كعادته اليومية منذ وطئ الملاذ اللبناني. في مطعم في منطقة جونية. حيث قيل إنّه “تمكّن من الاختباء بمساعدة أشخاص لبنانيين على الأرجح (…) ولم يتمّ الكشف عن هويّة الأشخاص الذين سهّلوا فراره داخل الأراضي اللبنانية”.
– رابعاً، بعد القبض عليه وإعلان ذلك في اليوم نفسه رسمياً من قبل منظمة إنتربول، غاب الخبر عن الإعلام اللبناني الرئيسي. طوال أكثر من أسبوعين. لا بيان رسمياً من السلطات اللبنانية ولا من يعلنون. حتى 25 تموز حين ورد بصيغة سطرين نقلاً عن الإعلام الأوروبي والإيطالي خصوصاً.
حتى بعدها، استمرّت السلطات اللبنانية بالصمت حيال القضية. لا أشخاص متورّطين. لا توقيفات ولا من يوقفون.
– خامساً، “البضاعة” المصادَرة في ميلانو، مصدرها هولندا، بحسب التحقيقات الإيطالية المنشورة صحافياً.
كلام الصورة: مكان توقيف بروتزانيتي في جونيه نقلاً عن مواقع إيطالية رسمية
هولندا – بيروت: خطّ الحشيشة؟
هولندا!! الاسم ليس غريباً على الملفّات الجنائية اللبنانية. وتحديداً، ليس جديداً في عالم تجارة المخدّرات في لبنان ومنه وعبره.
قبل سنة ونيّف، في 30 نيسان 2022، أُعلن أوروبيّاً أيضاً، القبض على شخصين هولنديَّين، في بيروت، متورّطَين في تجارة المخدّرات. أحدهما من بارونات القطاع عالمياً، اسمه مينك كوك. كان يعيش في لبنان منذ زمن طويل قبل اعتقاله. التوقيف جاء بطلب ومتابعة وتقصٍّ من السلطات الهولندية.
رسائل إلكترونية مشفّرة أدّت إلى رصد المطلوبين. والاهتمام بهما من سلطات أمستردام كان كبيراً. ذلك أنّ كوك (60 عاماً) فضلاً عن شغفه باستيراد “الأبيض” وتصديره، لديه هوايات مهنية أخرى. فهو مطلوب للاشتباه به في قضية فيليم هوليدير، أحد كبار رؤوس المافيا الهولندية، المحكوم بقتل ستّة أشخاص. من دون السهو والغلط.
تمّ تسليم الهولنديَّين يومها من لبنان إلى سلطات بلدهما. لكن حتى الآن لا معلومات عن كيفية دخولهما البلاد. ولا عمّن ساعدهما على الإقامة فيه طويلاً. قبل أن يكشف الإعلام الهولندي بعد مدّة، أنّ الموقوف الآخر مع كوك، كان صهره، واسمه نجم ز. (40 عاماً). لم يُذكر اسم العائلة كاملاً. ولا جنسيّته الأصلية. بينما السلطات اللبنانية لم تذكر شيئاً. والأرجح أنّها لا تتذكّر حتى.
– سادساً، فيما الصمت اللبناني يخيّم على ملفّ “الداتش كونكشن”، يتذكّر المعنيون خبراً ذات صلة، يعود إلى نيسان 2014.
في زمن موسكو السوفيتية وثورات التحرير الأممية، كان اليمن منطقة حرّة لكلّ أنواع الثوار. من كارلوس إلى أوكاموتو وما بينهما. ما من رحلة جوّية ثورية كانت تحصل يومها، من دون “إسكال” يمنيّ
إيطاليا – بيروت: جنّة المطلوبين
قبل نحو عشر سنوات، أُعلن في روما أيضاً، توقيف أحد حلفاء وأصدقاء رئيس الوزراء الإيطالي الراحل، سيلفيو برلسكوني. إنّه السناتور الإيطالي السابق مارتشيلو ديل أوتري. وذلك بعد نحو أسبوع على هروبه من إيطاليا. حيث كان ملاحقاً في قضية تآمر مع المافيا. قبل أن يختفي وتفقد الشرطة الإيطالية أثره. ليظهر فجأة وأيضاً في بيروت.
يومها صدر بيان رسمي عن قوى الأمن الداخلي، يفيد باعتقال المطلوب الإيطالي في أحد فنادق بيروت. بعدما كانت السلطات الإيطالية قد زوّدت لبنان بالمعلومات اللازمة، استناداً إلى إشارة هاتفه المحمول.
في حزيران 2014 تمّ تسليم المطلوب إلى روما حيث حوكم وصدر بحقّه حكمان بالسجن، أقصاهما لمدّة 12 عاماً.
لكنّ صمتاً لبنانياً كاملاً أطبق وما يزال، على معلومات نشرتها الصحافة الإيطالية يومها، تفيد بأنّ ديل أوتري دخل لبنان بجواز سفر دبلوماسي لبناني!
بالعودة إلى سائحنا الكسروانيّ الأخير، قبل أسبوعين أعلنت روما استردادها بروتزانيتي وتسليمه لها من قبل السلطات اللبنانية.
اللافت في الخبر إشارة التحقيقات الإيطالية إلى أنّه دخل لبنان بفيزا لبنانية صحيحة. لكنّه تخطّى مدّة صلاحيّتها للإقامة في بلاد الأرز والمجرمين.
حتى اللحظة لا معلومات رسمية عن أشخاص مشتبه فيهم في ملفّات الإيطاليين أو الهولنديين.
في زمن موسكو السوفيتية وثورات التحرير الأممية، كان اليمن منطقة حرّة لكلّ أنواع الثوار. من كارلوس إلى أوكاموتو وما بينهما. ما من رحلة جوّية ثورية كانت تحصل يومها، من دون “إسكال” يمنيّ.
اليوم يبدو اليمن مشغولاً بالنضال الأكبر، لمنع المرأة من استخدام العطر أو مساحيق التجميل. ورُبّ ضارّة حوثيّة، نافعة لمزرعة لبنانية. لقد أصبحت بيروت جنّة المطلوبين في العالم. مع الترحيب الدائم بهم. أهلا بهالطلّة!
أساس ميديا