بعد الأزمة، ليس هناك أسهل من «اقتحام» المدارس والثانويات الرسمية. كثير من الإدارات لم يعد ينتظر إذناً خطياً أو موافقة من وزارة التربية لفتح الأبواب أمام «مغترب» أو «متموّل»، أو جمعية محلية أو بلدية، أو حزب سياسي، أو منظمة حكومية وغير حكومية شريكة للجهة المانحة، في خرق فاضح للسيادة والقانون. ومع انسحاب الوزارة من تحمّل مسؤولياتها تجاه المدرسة الرسمية، يعمل مديرون وفق مبدأ «دبّر راسك» لتسيير أمورهم، فيرحّبون بمن يتبرّع لهم بالقرطاسية وألعاب الأطفال والأدوات الرياضية والمازوت والطاقة الشمسية والأموال لدفع بدل نقل للمعلمين أو ساعات التعاقد للمتعاقدين، أو الدعم المدرسي للتلامذة والدورات للمتعثّرين. هكذا بات بإمكان أي جهة أن تدخل وتخرج ساعة تريد وكيفما تريد، على مدار العام الدراسي، بلا حسيب أو رقيب، إذا كان ذلك «يؤمّن مصلحة المدرسة»، على ما يقول مديرون، فيما تتفاخر أحزاب وبلديات وجمعيات بأنها أدارت الأزمة في المدرسة الرسمية.
ويبدو بعض المديرين مقتنعين بأنه ليس هناك خيار بديل من هذه الأموال لتشغيل المدارس أو امتصاص غضب الأساتذة، فيما الوزارة على دراية بما يحصل و«تغضّ النظر» أو «محرجة»، بحسب إحدى المديرات.
بعض المديرين يتشدّدون في طلب إبراز الإذن الخطّي من وزارة التربية، ولا سيما حين يكون هدف زيارة هذه الجمعية أو تلك أبعد من تقديم مساعدة مالية أو عينية مباشرة، إذ إن بعض الهيئات الشريكة للمنظمات الدولية تحضر إلى المدارس من دون أن يرافقها أيّ ممثل عن وزارة التربية، وتطلب فتح الكومبيوترات والاطلاع على بيانات المدرسة، المدققة أصلاً من المناطق التربوية، مع انطباع مسبق بأن هناك هدراً أو خللاً في العمل الإداري، واضعة المدير في موقع الاتهام المباشر. واللافت أن تغييراً أساسياً طرأ على طريقة دخول الهيئات إلى المدارس، فبعدما «كانت في السابق تحمل الموافقة وتطلب المعطيات بتهذيب ولباقة، باتت تستخدم لغة الأمر». وتسأل مديرة ثانوية رسمية: «هل يعقل أن تطلب مني إحدى الجمعيات، في اتصال هاتفي، مثلاً معلومات عن أعداد اللاجئين السوريين في ثانويتي، أو أن يقول لي ممثل إحدى المنظمات إنه حصل على موافقة شفهية من منظمة اليونيسف لأسمح له بالدخول؟»، مشيرة إلى أن هناك من يزور المدرسة مرة واحدة ويلتقط صوراً للمبنى بحجة الترميم و«يختفي».
المصدر: الاخبار