” فيما لا تزال تداعيات قرار مجلس الأمن الدولي بشأن التجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب محلّ متابعة، محلياً وإقليمياً ودولياً، تبلّغت دول أعضاء في هذه القوات من المقاومة، بطرق مختلفة، بأنها لن تسمح لأحد بالتعدي عليها أو على الناس في مناطق عمل اليونيفل. علماً أن المقاومة غير مهتمّة أساساً بوجود القوات الدولية أو بقائها أو رحيلها، بعدما بات واضحاً أنها تعمل حصراً في خدمة العدو.
لذلك، تبدو قيادة القوات الدولية وضباطها الأكثر قلقاً من تداعيات القرار. وقد تعمّد قائد القوات نفسه وضباط كبار، خلال الأيام القليلة الماضية، عقد لقاءات مع رؤساء بلديات ومخاتير قرى، وإبلاغهم بأن اليونيفل تلقّت تعليمات من نيويورك تطلب الاستمرار في آلية العمل المعمول بها سابقاً، بالتنسيق الكامل مع الجيش. كما طلبت قيادة اليونيفل من قواتها خفض عدد الدوريات إلى الحد الأدنى الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع، فيما يجري الإعداد لاجتماعات مع الجيش اللبناني لتنسيق الخطوات اللاحقة.
ويراقب «الأهالي» كيفية تعامل القوات الدولية مع التطورات في المرحلة المقبلة، بعد القرار، خصوصاً في ما يتعلق بثلاث خطوات:
أولاً: هل ستعمد القوات الدولية إلى تسيير دوريات من دون التنسيق مع الجيش وتحاول الوصول إلى أماكن معيّنة بناءً لطلبات العدو؟
ثانياً: كيف ستترجم القوات الدولية العبارة الواردة في قرار التجديد بأن لها الحق في القيام بدوريات غير معلنة وغير منسّقة مع الجيش؟ وهل ستلبّي طلبات عاجلة للعدو من بينها القيام بعمليات دهم لمناطق في الجنوب من خلال دوريات مموّهة أو دوريات أمنية غير عسكرية؟
ثالثاً: كيف ستتصرف القوات الدولية مع المستوعبات والأبراج الموجودة في عدة نقاط على الحدود، وهل ستعمل على رفع وتيرة الاحتكاك والتصعيد لتثبيت مضمون ما ورد في توصيات مجلس الأمن لناحية اعتبار هذه المستوعبات عامل إعاقة وعنصرَ خطرٍ على القوات الدولية؟
حتى الآن، تبدو الأمور في حالة هدوء، ويُتوقع أن تكون قيادة القوات الدولية أكثر عقلانية من مجانين نيويورك. لكن، قد يحدث أن تقدم هذه القوات، أو قوة منها، على مغامرات معينة بحجّة أنها تطبّق القرار كما صدر… وعندها سيكون الجميع أمام معطى جديد، وأمام حديث آخر.
في غضون ذلك، تكشّف المزيد من المشاورات التي سبقت قرار التجديد الأسبوع الماضي، خصوصاً أن مجموعة الضغط التي عملت لمصلحة العدو لم تكن عادية هذه المرة، إذ انضم إليها، بصورة علنية، طرف عربي يُفترض أنه يمثل مصالح المجموعة العربية في مجلس الأمن.
فقد لعبت مندوبة دولة الإمارات العربية في الأمم المتحدة لانا زكي نسيبة «الدور الأقذر» في سياق المفاوضات والمداولات، وهي الوحيدة التي شنّت في كلمتها العلنية حملة على حزب الله، محاولة تحميله مسؤولية أي خلل يحصل في عمل القوات الدولية.
وبحسب المعلومات التي تجمّعت بعد انتهاء الجلسة، فإن أحداً لم يكن ليُفاجَأ بمواقف الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى، كما لم يكن متوقّعاً أن تشهر فرنسا تأييدها لإسرائيل بطريقة تستفزّ لبنان، علماً أنها تحاول الإيحاء بالتوازن سعياً إلى لعب دور في رسم مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي. لكن ما فاق التوقّعات هو دور الإمارات في خدمة إسرائيل.
وكشفت المداولات أن نسيبة، وهي من أصول فلسطينية، نسيت أنها تمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن كما يفترض العرف، وتحوّلت إلى شريكة في العمل لمصلحة العدو، وقادت حملة ضد المقاومة، وأبلغت السفراء الغربيين أنها ترفض إدخال أي تعديل يحدّ من حركة القوات الدولية، وأن تفهّمها ينحصر فقط بمطلب لبنان تعديل تسمية الجزء الشمالي من بلدة الغجر إلى خراج بلدة الماري، لكنها اعتبرت أن هذا البند ليس ذا أولوية ولن تخوض معركة من أجله.
وأثناء لقاء وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مع السفراء العرب، تهرّبت نسيبة من الدخول في أي نقاش، كما تهرّبت من محاولات بو حبيب اللقاء بها، قبل أن توافق على عقد اجتماع معه بمفرده، في مكان غير مخصّص للقاءات من هذا النوع. وكرّرت أمامه أنه سيكون من الخطأ أن يتحدّث لبنان عن سحب طلب التجديد للقوات الدولية، وأبلغته بأن التعليمات التي وصلتها من أبو ظبي تطلب منها الضغط لضمان أكبر هامش حرية لتحرّك القوات الدولية، وأنها لن تدعم طلب لبنان إخضاع الحركة لتنسيق مسبق مع الحكومة اللبنانية ممثّلة بالجيش.
وتولّى دبلوماسي غربي عرض ما أسماه «موجز ما يحصل في مقر الأمم المتحدة»، مشيراً إلى أن «الإمارات كانت تقاتل إلى جانب إسرائيل، ولم نشعر بأن الوفد اللبناني مارس ضغطاً كافياً لتعديل موقف أبو ظبي». وتساءل: «كيف نقاتل من أجل لبنان فيما لا يحظى أصلاً بدعم مندوبة المجموعة العربية؟».
التخاذل لا يقتصر على الحكومة ووزارة الخارجية بل يتعداهما إلى أجهزة أمنية لبنانية تقدّم خدمات للإمارات
الأكثر خطورة تمثّل في ما كُشف عنه في التصويت على النسخة الأخيرة من مسوّدة القرار. إذ تبيّن أن الإمارات كانت شريكة للولايات المتحدة وبريطانيا برفض ما اعتُبر صياغات فرنسية تناسب حزب الله. وحاولت نسيبة منع إضافة العبارة الخجولة التي تشير إلى التنسيق مع الحكومة. وعندما تمّ الاتفاق على الصيغة الأخيرة، بعد إلغاء تسمية الماري، والإشارة إلى مستوعبات «جمعية أخضر بلاد حدود»، حاولت سفيرة الإمارات التدخل لإزالتها. ووصل بها الأمر إلى حدّ المطالبة بالتصويت ليس على مجمل المسوّدة، بل على هذه الفقرة التي تخصّ التنسيق مع الحكومة اللبنانية، وكانت تأمل إسقاطَها.
المتابعة الإضافية تبيّن أن الجانب الإماراتي يخوض ممثّلاً بسفيرته الفلسطينية الأصل، كل المعارك التي تستهدف قوى المقاومة في فلسطين ولبنان، وكشفت الإمارات عن حقد غير مفهوم ليس ضد الإسلاميين فقط، بل ضد فكرة المقاومة. وفيما كان وزير حرب العدو يؤاف غالانت يحمل معه إلى نيويورك «تفاصيل خرق حزب الله الكامل للقرار 1701»، ما يتطلب أن تكون القوات الدولية أكثر حزماً وقساوة، تبيّن أن لدى الجانب الإماراتي معطيات إضافية. ويجري الحديث عن أن المخابرات الإماراتية تحصل من جهات في لبنان، سياسية وأمنية، على معطيات كثيرة، من بينها ما يخصّ حزب الله في الجنوب، وليس فقط معلومات تتعلق بلبنانيين يعملون في الإمارات وتنظر إليهم حكومة أبو ظبي بشك.
يبدو أن التخاذل لا يقتصر على الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية فقط، بل يتعداهما إلى أجهزة أمنية لبنانية رسمية تقدّم خدمات لدولة الإمارات، مقابل توفير الأخيرة دعماً مالياً لهذه الأجهزة. وربما لا ينبغي أن يستغرب أحد، إن خرج علينا غداً مسؤول لبناني يشكر دولة الإمارات على دورها في مجلس الأمن!
عبداللهيان لبو حبيب: لماذا لا تزورنا؟
كشف مصدر دبلوماسي غير لبناني أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي زار لبنان الجمعة الماضي وجّه، للمرة الخامسة، دعوة إلى نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب لزيارة إيران، فيما قدّم الأخير اعتذاراً بطريقة مواربة كما فعل في المرات السابقة.
وقال المصدر إن الوزيرين عقدا لقاءات كثيرة، خصوصاً أن عبداللهيان يزور لبنان والمنطقة بصورة متكررةـ وأنه في كل مرة يلتقي فيها عبد اللهيان بو حبيب، يسأله عن سبب عدم تلبيته الدعوة التي أُرفقت بعرض جدول أعمال يتضمن برامج تعاون غير سياسي، خصوصاً الشق المتعلق باستعداد إيران لتقديم مساعدات للبنان في مجال الطاقة على وجه التحديد، مع الإشارة إلى أن إيران تتعاون مع تركيا والعراق وأفغانستان في مجال الطاقة الكهربائية والغاز، وأن هذه الدول نجحت في الحصول على استثناءات من العقوبات الأميركية، فلماذا لا يفعل لبنان ذلك؟
وأضاف المصدر أن بو حبيب شرح مرات عدة لنظيره الإيراني بأن العقوبات الأميركية هي من يحول دون التعاون المباشر بين لبنان وإيران، وأن الأمر لا يرتبط بموقف وزير أو جهة وحدها. ونقل الدبلوماسي عن وزير الخارجية قوله بأنه شخصياً يرغب بزيارة إيران. لكنّ قرار الزيارة يبقى مرتبطاً بموقف صادر عن مجلس الوزراء. وأوضح أن الحكومة الحالية في وضعية تصريف أعمال، وهو لا يحضر جلساتها بسبب الانقسام السياسي في البلاد.
وبحسب المصدر، فإن الجانب الإيراني، قرّر إيفاد السفير في بيروت مجتبى أماني إلى رئاسة الحكومة، والطلب إلى الرئيس نجيب ميقاتي إبلاغ بو حبيب بموافقته على السفر، رغم أن الجميع يعرف أن بو حبيب ليس في وارد القيام بذلك لأسباب مختلفة، بينها تقديره بأن الخطوة قد تؤثّر على علاقاته مع الأميركيين بشكل خاص.
الاخبار