“ستة آلاف إصابة بالتهابات جلدية، من بينها الجرب، وأكثر من 1300 إصابة بإسهال مائي حادّ منذ حزيران الماضي في المنطقة الممتدّة من عرسال إلى الهرمل، بحسب منظّمة أطباء بلا حدود. الشهر الماضي، عالجت الفرق الطبية التابعة للمنظمة التهابات جلديّة لدى 138 أسرة في المنطقة ذاتها، و172 حالة إسهال مائي شديد (كوليرا)، بزيادة 21% عن الأسابيع الأولى من العام الجاري. انتشار الأمراض الجلديّة ليس إلا إشارة أولى إلى تداعيات «الجور الصحية» المكشوفة والمياه الآسنة التي تُرمى في حفر فوق مجاري المياه الطبيعية.
منذ مطلع عام 2023 ظهرت مشكلة «الأمراض المنقولة عبر المياه» في شمال شرق لبنان، وفقاً لتقارير منظمة أطباء بلا حدود. وبحسب اليونيسف، يستنزف تأمين مياه نظيفة ضعفَي متوسط الدخل الشهري، ما يدفع السكان نحو مصادر المياه غير المأمونة. وفيما تنفي مصادر وزارة الصحة لـ«الأخبار» وجود أي حالات تستدعي القلق في المنطقة، وتصف الحديث عن الأمراض الجلدية، ولا سيّما الجرب، بـ«التضخيم الإعلامي»، وتطلب «انتظار خروج نتائج الفحوصات التي أجرتها دائرة الترصّد الوبائي على المياه في المنطقة»، فإن ناقوس الخطر دقّ منذ مدّة لا تقل عن ستة أشهر. «حذّرنا من الأمراض الجلديّة المنتشرة في آذار الماضي»، تقول مصادر منظّمة أطباء بلا حدود، و«اشتبهنا في المياه كمسبّب لهذه الأمراض منذ ذلك الوقت»، إذ «تنشأ هذه الأمراض وتنتشر عادةً عندما يتناول الأفراد مياهاً ملوّثةً، أو حتى حين يلمسونها».
بقعة انتشار المشكلة في المنطقة لا تقتصر على مخيّمات النازحين، بل تتوسّع كبقعة الزيت، فـ«المرضى موجودون في المجتمعات السورية واللبنانية، وينتمون إلى قرى مختلفة»، خصوصاً مع صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة، فيما خدمات الصرف الصحي السليمة «غير متاحة»، وهو ما أكّدته مصادر «الأخبار» في مؤسسة مياه البقاع. ففي عرسال خمس آبار فقط تابعة للمؤسّسة، بعيدة حتى الآن عن مصادر التلوث، لكنّها لا تكفي لتوزيع المياه النظيفة على سكان البلدة الذين يلجأون إلى مصادر غير مأمونة من الماء، وقد تكون ملوّثةً.
بـ«المصيبة الكبرى» تصف المصادر في مؤسّسة مياه البقاع طريقة التخلص من مياه الصرف الصحي في عرسال، مؤكّدةً «تسرّب الماء الملوّث إلى الآبار، وانتقال التلوّث إلى القرى المجاورة، وتهديد الناس والحيوانات والمزروعات». فمشكلة الصرف الصحي المزمنة آخذة بالتفاعل في عرسال، ومنها إلى المنطقة المحيطة، حيث تغيب شبكات الصرف الصحي كلّياً عن المنطقة، ويهدّد غيابها أهالي المنطقة بالكامل بالأمراض. أهل القرى من اللبنانيين، وكذلك النازحون في المخيمات، يستخدمون «الجور الصحية» للتخلص من المياه المبتذلة، وبدورها تقوم الجهات الدولية الراعية للنازحين بـ«شفط الجور الصحية ورمي المخلّفات في خراج عرسال بشكل مكشوف، تحديداً في مَجمَع مياه خربة داوود، المعروف باسم الشريان المائي للمنطقة»، بحسب أحد العاملين في مؤسسة مياه البقاع.
يستنزف تأمين مياه نظيفة ضعفَي متوسط الدخل الشهري ما يدفع السكان نحو مصادر المياه غير المأمونة
التهديد الصحي من تلوّث المياه كبير جداً، ولا سيّما مع بدء موسم شحّ الماء، ولجوء السكان إلى مصادر المياه السطحية الملوّثة بمياه الصرف الصحي. ففي عرسال، «هناك 90 بئراً، 60 منها تجارية، يستخدمها أهل القرية للشرب والاستخدام المنزلي، وكلّها تقع تحت المنطقة التي تُرمى فيها مخلّفات الجور الصحية». البلدة ذات شبكة المياه الممتدة على 180 كيلومتراً، تحتوي على 6 آلاف مأخذ (عيار)، و10 آلاف وحدة سكنية. تحتاج القرية إلى عشر آبار لتأمين المياه وفقاً لدراسات الصليب الأحمر، في حين تعمل بئران للدولة فقط، من أصل خمس. والبديل للناس لتأمين مياه الخدمة، الآبار التجارية المهدّدة بالتلوّث بمياه المجارير.
مخيمات النازحين بدورها لا تعتمد على مياه الدولة، بل على المصادر المائية نفسها المهدّدة بتسرّب مياه الصرف الصحي إليها. ومن جهة ثانية، يلفت القيّمون على البلدية إلى «أن لا إمكانية لإنشاء شبكة صرف صحي للبلدة والمخيمات معاً بسبب الكلفة الكبيرة وغياب التمويل، والحل يقتصر على أمر من اثنين: إما زيادة عدد الجور الصحيّة، أو زيادة عدد مرّات التفريغ وتغيير أمكنة التخلّص من المياه المبتذلة». «التحدّيات ستظل قائمةً إن لم تُوفّر المياه النظيفة، وخدمات الصرف الصحي الآمنة»، تختم منظّمة أطباء بلا حدود، إذ رغم أهميّة التدخلات الطبيّة، إلا أنها تعالج النتائج لا الأسباب.
الاخبار