التقت القوى الفلسطينية بكل تلاوينها في مكتب المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، وتحت مظلّته، في محاولة جديدة لإنهاء المواجهة الدامية في مخيم عين الحلوة.
لعلّ الخسائر السياسية والمعنوية الناتجة من معارك مخيم عين الحلوة لا تقلّ وطأة عن الخسائر البشرية والمادية، إذ انّ هذه المواجهة العبثية أصابت في الصميم القضية الفلسطينية على يد بعض أبنائها الذين أضاعوا البوصلة، وألحقت أضراراً إضافية بصورة الدولة اللبنانية وبما تبقّى لها من هيبة.
وليس خافياً انّ واقع المخيمات في لبنان محكوم بمعادلات فلسطينية وإقليمية معقّدة ومتداخلة، بحيث انّ الأزقة الضيّقة في عين الحلوة تتوزع على محاور وخيارات متضاربة وممتدة الى خارج المخيم وحتى خارج الحدود، من دون التقليل في الوقت نفسه من شأن الصراع على النفوذ والسيطرة بين المجموعات الفلسطينية التي يحاول كل منها تحسين شروطه َومواقعه، ولو فوق الأنقاض.
من هنا، فإنّ المعالجة الجذرية للتفلّت الأمني في المخيم تتطلّب بالدرجة الأولى رفع الغطاء عن المتنازعين من قِبل الداعمين والممولين والمنتفعين والطامحين الذين يستخدمون ورقة عين الحلوة في لعبة خدمة مصالحهم وأجنداتهم.
اما هامش الدولة فهو ضيّق، خصوصاً أن لا قرار لديها بالحسم العسكري، بمعزل عمّا اذا كانت تقدر عليه ام لا، إذ انّ خيار الحسم ينطوي على مغامرة مكلفة ليس بمقدور الجيش ولا السلطة السياسية تحمّل وزرها وتداعياتها.
ومع ذلك، اختار جهاز الأمن العام ان يستثمر «الهامش الضيّق» المتوافر حتى أقصى الحدود الممكنة، بدل البقاء في موقع شاهد العيان او ربما شاهد الزور، فكان قرار المدير العام بالإنابة اللواء الياس البيسري بدعوة ممثلي الفصائل الفلسطينية، على اختلافها، الى اجتماع عُقد امس في مكتبه.
ويرفض البيسري وضع مبادرته هذه في خانة الوساطة التقليدية، مؤكّداً لـ»الجمهورية»، انّه يعارض ان يؤدي دور «ابو ملحم» أو ان يعتمد سياسة تبويس اللحى في مقاربة وضع عين الحلوة.
ويعتبر البيسري انّ «المطلوب إبداء كل الحزم والوضوح في المعالجة والمصارحة، بعيداً من أي مجاملات او مسايرات، وهذا ما فعلته خلال الاجتماع مع ممثلي القوى الفلسطينية».
ولكن ما هي أوراق القوة التي يمكن الركون اليها في سياق السعي الى فرض التهدئة، ما دامت السلطة في لبنان متهالكة ومستضعفة لأسباب شتى؟
صحيح انّ الأمن العام لا يملك جيشاً مدججاً بالسلاح للقتال واقتحام عين الحلوة بالقوة من أجل فرض وقف إطلاق النار، لكن الصحيح أيضاً انّ لديه أسلحة من نوع آخر، قد يلوّح بها عند الضرورة، كونها قد تفيد في المساهمة في إقناع الفصائل بوجوب فعل أقصى ما بوسعها لإنهاء «حرب الاستنزاف».
وضمن هذا الإطار، هناك من يلفت إلى انّ كل أنواع المعاملات والخدمات العائدة الى الفلسطينيين، ومن بينهم المنخرطون في مختلف المنظمات، تمرّ حكماً عبر دوائر الأمن العام، الذي كثيراً ما كان يمنح تسهيلات لهم في سياق تفهمّه لخصوصية الوضع الفلسطيني.
الاّ انّ هذه المرونة في التعاطي ستصبح مهدّدة، وفق العارفين، اذا لم تتحمّل الفصائل مسؤوليتها وتبادر بلا تأخير الى إنهاء الاقتتال في مخيم عين الحلوة، والذي أصابت نيرانه الجوار اللبناني أيضاً.
وينبّه هؤلاء إلى انّ بإمكان الأمن العام ان يعتمد في علاقته مع الجهات الفلسطينية معادلة «من يُصعّب علينا حياته سنُصعّب عليه حياته أيضاً»، وإن يكن يأمل في ألاّ تصل الأمور إلى هنا وان تكون الحكمة هي المنتصرة الوحيدة في مخيم عين الحلوة قريباً.
المصدر: الجمهورية