مرضى غسيل الكلى الجُدد مهدّدون بالموت في منازلهم بسبب ‘الوعود الكاذبة’

عادت أزمة مرضى غسيل الكلى إلى الواجهة، هذه الأزمة التي لا تلبث أن تخمد لتشتعل من جديد. أكثر من 4000 مريض رهينة “وعود” ما زالت معلقة، في حين لم يعد بإمكان الأطباء الاستمرار بهذا النهج، والمستشفيات ترفع الصوت أكثر للحصول على مستحقاتها المتأخرة.

منذ مطلع العام 2023 وندور في حلقة مفرغة، لم ييأس رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى من مواصلة طلب الاستغاثة والتحرك، ويقول: “المرضى بين الحياة والموت ولا نلقى سوى وعود بقيت حبراً على ورق، وحده الواقع يفضح هشاشتها”.

ماجد ديب واحد من آلاف المرضى الذين يعيشون على وقع آلة غسيل الكلى التي تضخّ في جسمه الحياة، يجتمع مع 11 مريضاً آخر في إحدى بلدات زغرتا ليتوجهوا إلى المستشفى لتلقّي العلاج.

يوضح ديب لـ”النهار” أن “المعاناة كبيرة، أعيش على التبرعات والمساعدات الإنسانية، والخوف من أن تتوقف هذه المساعدات التي قد تحرمني من فرصة الحياة. لا قدرة لي على العمل وشقيقي يعاني مثلي مرض كلى يفرض علينا الخضوع لجلسات غسل كلى مستمرة”.

يتحدث ديب عن الفروقات التي لمسها منذ بداية الأزمة حتى اليوم، “كنتُ أخضع في الماضي إلى 3 جلسات أسبوعياً تصل كلفتها إلى 100 دولار، أما اليوم فتقلّص عدد الجلسات، حيث تبلغ كلفة الجلستين أسبوعياً نحو 240 دولاراً، ناهيك عن الأدوية والفيتامينات التي نحتاجها، ولولا أيادي الخير لما كان بمقدوري دفع كلفة أي جلسة”.

ديب من المرضى الذين هم على نفقة وزارة الصحة، التي لم تدفع مستحقات العام 2023 حتى الساعة، فيما وعدت أنها ستدفع خلال الأسبوعين المقبلين مستحقات 5 أشهر.

لدى ديب هواجسه الحقيقية، يعرف جيداً أن “الحالة من سيئ إلى أسوأ، وهذا ما يقلقنا فعلاً. فحياتي معلقة بآلة وما يتحكم بها يقرر مصيرنا بالعيش أو الموت. نعيش على وقع الخلافات والوعود، وننتظر أن ترحمنا الدولة لأننا لا نملك ترف الانتظار ولا ترف الوقت. لا يمكن لمريض الكلى أن يتخلى عن جلساته. أضطررتُ إلى أن أقلّص عدد الجلسات وأتحمّل أعباء هذا الانتظار نفسياً وجسدياً، حتى لا تسوء حالتي أكثر، ولكن إلى متى؟”.

يختصر رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى الدكتور روبير نجم المشهد بتوصيف المشكلة “بالوعود الكاذبة، فلو التزمت الدولة بقرارها لدفعت كل المستحقات المترتبة عليها في العام 2023، بالإضافة إلى التأخير الحاصل في مستحقات العام 2022. كان الاتفاق مع وزير الصحة منذ 5 أشهر بدولرة الجلسة ودفع الفواتير خلال شهر من التسليم، إلا أن الواقع مغاير تماماً، وكل جهة أكانت وزارة المالية أو وزارة الصحة أو ديوان المحاسبة، ترمي الكرة في ملعب الأخرى”.

والواضح هو محاولة المعنيين التهرّب من الدفع لأن الحكومة ببساطة لا تملك المال وما يجري هو مضيعة للوقت، وفق ما يؤكد نجم. والأهم أنه لن يجرؤ أحد على الإعلان والبوح بهذه الحقيقة، ويتحمل مسؤولية رفع الدعم عن مرضى غسل الكلى، وبالتالي ما يجري على أرض الواقع هو رفض المستشفيات استقبال مرضى جدد لغسيل الكلى. وفي النهاية يدفع المريض كما الطبيب ثمن هذه الوعود ونتائج السياسات المتّبعة”.

الخطر اليوم على مرضى غسيل الكلى الجدد المهددين بالموت في منازلهم نتيجة رفض المستشفيات استقبالهم. ناهيك عن هجرة الأطباء التي أثرت على القطاع الطبي، والخوف من عدم عودة الجيل الجديد من الأطباء الذين نحتاج إليهم في المستقبل لمعالجة المرضى.

ويرى نجم أننا بحاجة لنرى “خطوة حسن نية تكشف حقيقة المساعي لتحسين واقع المرضى، شبعنا من الوعود التي تبقى حبراً على ورق. وقد توصل الاتفاق الجديد إلى دفع 70 في المئة مسبقاً و30 في المئة مؤخرة، وإنما لا شيء بعد على أرض الواقع، ونتمنى ألّا تكون الذرائع جاهزة وحاضرة عند التطبيق”.

يتقاسم نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الوجع نفسه والاستغاثة نفسها مع تلك التي أطلقها نجم، ويفند الواقع الصحي لمرضى غسيل الكلى بالقول: “المشكلة الأولى تتمثل بالتأخير في دفع المستحقات للمستشفيات، وعدم قدرة مراكز غسيل الكلى على استقبال حالات جديدة بعد بلوغها القدرة الاستيعابية القصوى، ما يعني عجزها عن استقبال مرضى جدد خصوصاً بعد ارتفاع الكلفة، حيث ارتفعت أسعار المستلزمات أكثر من 4 أضعاف ما كانت عليه سابقاً”.

ونتيجة هذا الواقع، يعاني مرضى الكلى الجدد صعوبة كبيرة بقبولهم في مراكز غسيل الكلى، ويؤكد هارون أننا “نعمل مع وزير الصحة لحلحلة مسألة المستحقات وحصرها ضمن مهملة معقولة، بالإضافة إلى تعديل الكلفة حتى تتلاءم مع الأسعار الجديدة. نتفاوض اليوم مع وزير الصحة والجهات الضامنة على تسعيرة جلسة غسيل الكلى وفي انتظار ما ستؤول اليه الأمور. فبعد أن كانت كلفة الجلسة الواحدة 53 دولاراً، ارتفعت إلى 62 دولاراً بعد رفع الدعم عن المستلزمات الطبية، في حين أننا نطالب برفعها إلى 68 دولاراً”.

أما المشكلة الثانية التي يشير إليها هارون فتتمثل في دفع الجهات الضامنة المستحقات بالليرة اللبنانية من خلال تحويلات إلى المصارف التي لا يمكن تحويلها إلى الدولار، في حين أن دفعات المستشفى إلى المستوردين جميعها بالدولار. وعليه، نطالب اليوم بتسريع دفعها خلال مهلة لا تتعدى الشهر حتى تتمكن المستشفيات من شراء الدولار والدفع للمستوردين.

والجدير ذكره أن صندوق الضمان الاجتماعي والطبابة العسكرية دفعا مستحقات المستشفى حتى شهر آذار 2023، في حين أن وزارة الصحة لم تدفع أي شيء منذ مطلع 2023، وهناك وعد بدفع المستحقات خلال أسبوعين والتي ستغطي الخمسة أشهر. ما يعني أن التأخير في دفع المستحقات إلى المستشفيات يتراوح بين الخمسة أشهر وأكثر من سنة.

النهار

Exit mobile version