يتحرّك رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل على كلّ الجبهات. لا يترك زاوية إلا ويذهب إليها، وآخر تحرّكاته ملفّ النزوح السوري حيث تفيد معلومات “أساس” عن توجّهه على رأس وفد من التيار إلى استراسبورغ وبروكسل وباريس لإثارته مع المسؤولين الأوروبيين على أعلى المستويات. ورشح من كواليس باسيل في الأيام الماضية أنّه يخوض معركة على مستويَين:
1- في الداخل تصويب مباشر على ما يعتبره تواطؤاً من جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب والحكومة عموماً، ومن جانب قائد الجيش العماد جوزف عون، وهو الأمر الذي أثاره بشكل علني في خطاباته المناطقية أخيراً.
النقطة الأكثر حساسية، على الرغم من موقف الأمين العامّ “للحزب” السيد حسن نصرالله الأخير، هي التساؤلات التي تُطرَح لدى أوساط “التيار” عمّا يمكن أن يفعَله الحزب على الحدود ولا يُبادر إليه، باعتبار تدفّق النازحين خطر وجودي على المدى الطويل لا يقلّ أهمية عن خطر محاربة التنظيمات الإرهابية.
الأهمّ هو عدم مبادرة بلديات محسوبة بالكامل على الثنائي الشيعي إلى التصرّف بما يعيق حركة تمدّد النازحين السوريين الجدد في المناطق، لا بل “ترييحهم” كاتّخاذ بعض البلديات قرارات بالسماح بإقامة أربع عائلات ضمن شقّة واحدة، في الوقت الذي تستنفر فيه الأحزاب المسيحية البلديات الواقعة ضمن نطاقها و”نفوذها”، بما يُشبِه الأمن الذاتي، لمنع تغلغل السوريين الجدد.
2- الحديث مع “المفاتيح” الأساسية في أوروبا المعنيّة بملفّ النازحين في ظلّ التقصير الرسمي الحكومي الفاضح، وبِناءً على علاقات وطيدة خَبرها باسيل والتيار مع الأوروبيين منذ عام 2011.
تشير معلومات “أساس” في هذا السياق إلى بدء الإعداد للزيارة الأوروبية منذ نحو ثلاثة أشهر، وتحديداً بعد صدور قرار البرلمان الأوروبي بعدم الموافقة على عودة النازحين السوريين إلى بلدهم والمطالبة بحمايتهم في مكان إقامتهم في لبنان، وهي اللازمة التي كرّرها أكثر من مسؤول أوروبي أخيراً.
لا تنسيق مع الحكومة ووزير الخارجيّة
وَضَع التيار آلية دبلوماسية للحديث مع الأوروبيين face to face وفق برنامج ستكون محطّته الأولى في 17 تشرين الأول الجاري في استراسبورغ، حيث مقرّ انعقاد البرلمان الأوروبي، من خلال إلقائه محاضرة والمشاركة في مؤتمر أثناء انعقاد البرلمان وعقد عدّة لقاءات جانبية مع نواب أوروبيين من كتل عدّة. لاحقاً سيزور الوفد بروكسل حيث سيعقد اجتماعات مكثّفة على مدى يومين، ثمّ باريس للهدف نفسه.
ستتمّ الزيارة بمعزل عن أيّ تنسيق مع الحكومة أو وزير الخارجية المحسوب على حصّة العونيين في الحكومة. بات الأخير يصنَّف في خانة “التيار” بـ “الخارج عن السيطرة” لأنّ حساباته على قياسه الشخصي والمصلحيّ، وووزير الخارجية إذا قرّر أن يتحرّك لا يتردّد في توصيف الواقع على طريقته قائلاً: “ما فينا نشيل الزير من البير. والطلعة على سوريا لن تفيد بشيء”.
بالتأكيد يوافق “الباسيليّون” وزير المهجّرين عصام شرف الدين على اعتبار بو حبيب “خانعاً ومتواطئاً ولا يتصدّى بجرأة لارتكابات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR”.
باسيل والسيّد: “افتحوا” البحر
قبل أيام أقرّ باسيل أمام بعض زوّاره بأنّ “السيّد حسن نصرالله سبقنا في طرح فكرة فتح البحر أمام السوريين للتوجّه نحو الدول الأوروبية”، قائلاً: “هذه فكرتنا بالأساس لأنّها ستوجِع الأوروبيين. نحن نتوافق بالكامل مع السيّد حسن في هذه النقطة، فالذهاب “الآمن” للسوريين في مراكز وسفن مجهّزة يمكن أن يدفع أوروبا إلى إعادة حساباتها”.
باسيل لعون: مع من نسّقت لإعادة سوريّي قبرص؟
لكن في هذه النقطة تحديداً يَحضر الخلاف الصداميّ مع قائد الجيش. فباسيل الذي يرى أنّ قائد الجيش “يغطّي بأدائه دخول السوريين على الحدود و”بسكّرها” لجهة البحر، ناقش مطوّلاً في الأيام الماضية مع معنيّين، بينهم الحزب، مسألة قيام الجيش في آب الماضي بتسلّم 109 سوريّين كانوا وصلوا إلى قبرص من لبنان على متن ثلاثة قوارب، على مراحل، بين 29 تموز و2 آب، وأعادَتهم السلطات القبرصية إلى لبنان بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
يعتبر باسيل أنّ “قائد الجيش اتّخذ قراره بتسلّم المتسلّلين إلى قبرص بشكل أحاديّ متقمّصاً دور السلطة التنفيذية ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووزارة الدخلية من دون التنسيق مع أحد، فيما كان بالإمكان من خلال قرار سيادي من قائد الجيش رفض تسلّم هؤلاء المهاجرين بعدما صاروا داخل الأراضي القبرصية وتوجيه رسالة قوية إلى أوروبا بأنّ “فتح البحر” بشكل آمن باتجاه دول البحر المتوسط هي السياسة اللبنانية التي ستُتّبع في مواجهة خطر التدفّق الخطير للنازحين السوريين إلى لبنان”.
أسطول باسيل بحماية الجيش
يؤكّد قريبون من قائد الجيش لـ “أساس” أنّ “الواقع على الأرض يدحض كلام باسيل من الحدود الشمالية والبقاعية وصولاً إلى البحر، والدليل عدد التوقيفات للمتسلّلين منذ بداية العام الجاري في ظلّ أزمة عديد غير كافٍ لتغطية كلّ المعابر، فيما جزء من هذا العديد يوفّر الحماية لأسطول باسيل خلال تنقّله بين المناطق. ويجدر بباسيل الاطّلاع على ما تفرضه الاتفاقية الموقّعة مع قبرص عام 2004 بشأن منع العبور الحدودي غير الشرعي باتجاه الجزيرة”.
في هذا السياق كان لافتاً البيان الذي أصدرته الـ UNHCR في آب الماضي والذي يعبّر عن حجم الحماية التي توفّرها “المفوضية” لهؤلاء النازحين (لأسباب اقتصادية) على حساب مصلحة الأمن القومي لبلد مُنهَك ومُفلِس ومنهار، إذ اعتبرت أنّ “عمليات النقل والترحيل تؤدّي إلى إعادة الأشخاص إلى بلد قد يواجهون فيه خطر الاضطهاد والتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وغير ذلك من الأذى الذي لا يمكن إصلاحه”.
30 % من الجرائم بتوقيع سوريّ
أمنيّاً، ومع إعلان وزير الداخلية بسام المولوي أنّ نسبة الجرائم المُرتكبة من قبل السوريين تفوق 30%، يجزم مصدر مطّلع لـ “أساس” أنّ “ثمّة نقاط ضعفٍ تُرصد بوضوح لدى الأجهزة الأمنيّة خلال عمليات رصد وتعقّب المتسلّلين من الحدود وصولاً إلى الداخل، لكنّ الجيش وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة يكثّفون بشكل ملحوظ عمليات تعقّب هؤلاء وتوقيفهم، فيما عكست بعض التقارير الأمنيّة وجود هواجس من احتمال حصول عمليات انتقام وتصادم بين المتسلّلين ومواطنين، خصوصاً أنّ بعض المناطق باتت تجاهر بتثبيت معادلة الأمن الذاتي في ظلّ تقاعس حكومي كبير عن فرض آلية تنفيذية صارمة لتطبيق مقرّرات مجلس الوزراء الأخير”.
ملاك عقيل – اساس ميديا