عاد ملف التهريب من سوريا والمنافسة غير المشروعة إلى الواجهة مجدداً، بعدما أطلق اصحاب مناشر ومصانع الرخام والحجر والغرانيت في لبنان الصرخة أمس الاول، في خلال اعتصام نفّذوه عند مدخل نفق شكا، احتجاجاً على استمرار استيراد السلع المنافسة من مصر وسوريا، وإدخالها الى لبنان في معظم الاحيان بطرق غير قانونية غير مستوفاة الضريبة الحقيقية.
في مثال فاضح على عمليات التهريب الناشطة، كشف نقيب اصحاب المناشر ابراهيم ملاح عن «دخول 37 قاطرة ومقطورة محمّلة بالحجر المنشور من سوريا إلى الأراضي اللبنانيّة عبر 4 بيانات جمركية فقط، بدل ان تصدر لكل مقطورة بيان جمركي، وقد دخلت هذه الحمولات عبر معبر العريضة بواسطة مخلص جمركي واحد يقوم بإنجاز البيانات الجمركية عبر العريضة والعبودية.
كان يمكن لما كشف عنه الملاح ان يكون بمثابة إخبار الى القضاء، الاّ انّ الخبر مرّ بشكل عادي في الإعلام، من دون ان تحرّك الدولة التي لا تجيد البحث عن الواردات سوى من باب فرض الضرائب، ساكناً، فقد بدا جلياً كيف انّ الدولة الغارقة في حساباتها، والتي تبحث عبثاً عن إيرادات وهمية، تعرف وبما لا يقبل الشك أين مكامن الهدر، ولا تفعل شيئاً أكان لتحسين ايراداتها، عبر تشديد المراقبة على الواردات لتحصيل الرسوم الجمركية الحقيقية عن السلع، او من خلال تطبيق القرار الضريبي (المتعلق باستيراد الرخام والحجر) باتخاذ رسوم على استيراد الترابيع من الخارج بقيمة 25 في المئة، وتطبيق قرار المجلس الأعلى للجمارك القاضي برفع الرسوم الى 50%، ووقف الإستيراد، والعمل بصورة مطلقة ومن دون أية استثناءات لإجازات الإستيراد المسبقة لبضاعة الحجر والغرانيت والرخام والبازالت على أنواعه، وذلك قبل ان يصبح القطاع برمته شبيهاً بقصة «اليونيسيراميك» التي بتواطؤ وإهمال من الدولة قُضي على هذه المؤسسة، والأمثال لا تنتهي من قطاع الألبسة الى الأحذية…
لا جمرك ولا ضريبة
في هذا الإطار، كشف نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش لـ«الجمهورية»، انّ كل البضاعة التي تأتي من مصر وتركيا والشرق الاقصى تدخل الى لبنان بفواتير مخفّضة، والبضاعة التي يُفترض انّها تخضع لرسوم جمركية تستوفى عليها نصف قيمة الجمرك ونصف قيمة الضريبة على القيمة المضافة، بما يعني انّ الرسوم الجمركية لا تُستوفى بالكامل من المورد.
وأكّد انّ الصناعيين طالبوا مراراً بفرض رسم نوعي على السلع المستوردة او مقارنة اسعار السلع التي تدخل لبنان بتلك التي تدخل الى دبي، حيث لا رسوم جمركية. على سبيل المثال، إذا كانت كلفة سعر طن الرخام الواصل الى دبي 1000 دولار وذلك الواصل الى لبنان 500 دولار، يجب تسعيره هنا بـ 1000 دولار، وبهذه الطريقة يبدأ العمل الصحيح على الصعيد الشرعي.
أما على صعيد غير الشرعي، فكشف بكداش، انّ غالبية السلع التي تدخل الى لبنان عبر سوريا مهرّبة، لافتاً الى انّ خريطة التهريب غالباً ما تنطلق من تركيا الى سوريا ومنها الى لبنان وهذا المسار لا يقتصر على السلع فقط، انما يشمل ايضاً الخضراوات.
وأكّد بكداش، انّه في ما يتعلق بالصناعة، فإنّ كل السلع الآتية من سوريا، اياً كان صنفها، تدخل الى لبنان بلا جمرك وبلا ضريبة على القيمة المضافة TVA، أما السلع المستوردة من مصر فهي تدخل بطرق شرعية، انما بفواتير مخفّضة على كل الاصناف من دون استثناء، حتى انّه غالباً ما تكون اسعارها مرادفة لأسعار المواد الاولية، وهذا امر مرفوض كلياً.
كذلك كشف بكداش، انّ اللعب بـ HS Code هو آخر التفنّنات في موضوع التهريب، ومثال على ذلك ما كشفه الملاح عن دخول 37 قاطرة بـ 4 بيانات جمركية فقط، بدل ان يكون لكل قاطرة بيان جمركي، لافتاً الى انّه ضمن حمولة القاطرة سلعاً يبلغ جمركها 15% واخرى جمركها 5%، الاّ انّها تدخل كلها على اساس الرسم الجمركي الأقل اي 5%. واعتبر انّ هذه الطريقة باتت تعتمد في الاستيراد والتصدير على السواء، وقد ثبت انّ هذا الاسلوب يخسّر الدولة الكثير من الايرادات.
تهريب في بيروت وطرابلس
في السياق نفسه، أكّدت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ التهريب لا يقتصر فقط على المعابر البرية الشرعية وتلك غير الشرعية والتلاعب بالرسم الجمركي على الحدود، فالتهريب يحصل بالزخم نفسه في مرفأي بيروت وطرابلس، والأسوأ انّ الدولة على علم بذلك وتغضّ النظر. وتبيّن أخيراً انّ الاستيراد عبر مرفأ طرابلس في اوجّ نشاطه، حيث تدخل المستوردات بكميات كبيرة، وتمرّ من دون رسوم جمركية او برسوم مخفضة، وتصل البضاعة الى صاحبها برسم مقطوع يبلغ 5000 دولار، بغض النظر عن نوعية وكمية الاستيراد.
والامر سيان في مرفأ بيروت، فمن المعروف انّ هناك خطين، إما شرعي او غير شرعي، وفي هذه الحالة عادة ما يتلقّى المورد اتصالاً من احد المخلّصين الجمركيين يعرض إيصال البضاعة او المستوردات في المستوعب الى باب المصنع او المتجر او المخزن بكلفة مقطوعة تبلغ 5000 دولار، اما ايصالها بفواتير مخفّضة لقاء بدل مالي، أما رافضو عروض الرشوة هذه فيدفعون الرسوم الجمركية المرتفعة التي تفرضها الدولة. وبمعنى آخر يقع على عاتقهم تزويد خزينة الدولة بالإيرادات التي تعتمد عليها الدولة لتغطية مصاريفها، ولهذا هي بعجز دائم.