لم يجد الجيش اللبناني سوى تنظيم جولة اعلامية، كانت حاشدة، لوسائل الإعلام لإطلاع الرأي العام على واقع الحدود الشمالية للبنان مع سوريا مع استمرار تدفق النازحين السوريين منذ اشهر من خلال تلك الحدود وكذلك من مسارب اخرى على طول الحدود مع سوريا. فما خلاصة تلك الجولة وماذا عن السجال مع قيادة الجيش بشأن ازمة النزوح المتجددة؟
في 11 أيلول الماضي وما يعنيه هذا التاريخ في الذاكرة، اطلق قائد الجيش العماد جوزف عون، بحسب ما نقله عنه وزراء شاركوا في لقاء وزاري للبحث في ازمة النزوح ان “النزوح السوري بات يشكل تهديداً وجودياً للبنان”.
لم يصدر أي نفي لذلك التوصيف، ما يعني ان مَن نقله لم يكن على خطأ، واكثر من ذلك بات ذلك التعبير متداولاً على ألسنة السياسيين وحتى المتخاصمين في السياسة.
مرت الاسابيع وظلت موجات النزوح على حالها مع تسجيل دخول آلاف السوريين الى لبنان عبر الحدود الشمالية خصوصا وكذلك من مسارب اخرى. وترافق ذلك مع اتهامات مباشرة وغير مباشرة للاجهزة الامنية وعلى رأسها الجيش بعدم التشدد في إغلاق الحدود البرية على رغم مخاطر النزوح المتجدد بأعداد كبيرة وجلّ الوافدين من جيل الشباب، وفي المقابل ظل التشدد في إغلاق الحدود البحرية امام الراغبين في الهجرة غير الشرعية الى شواطىء اوروبا.
الجيش: نستشعر خطراً فعلياً
خلال الجولة الاعلامية على الحدود الشمالية التي نظمتها قيادة الجيش اول من امس، كان هناك شرحٌ مستفيض للواقع الميداني وللجهود والاجراءات التي ينفذها الجيش لمنع التسلل او على الاقل لتخفيفه. وقد أكد أحد الضباط المعنيين بضبط الحدود، ان ما يستطيع الجيش القيام به يقوم به على رغم الامكانات المحدودة. ورداً على سؤال، قال: “بتنا اليوم نستشعر خطراً فعلياً”.
وبالتزامن مع الجولة الاعلامية، اطلق العماد عون موقفاً لافتاً مفاده ان الجيش يتصدى وحده للنزوح، وحمل كلامه رداً مباشراً على منتقديه وفي مقدمهم رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي صرح ولمّح مراراً بما معناه ان هناك من لا يتشدد في اغلاق الحدود البرية امام موجات النزوح ، فيما التشدد يكون في اغلاق الحدود البحرية.
في كلام باسيل رائحة الاستحقاق الرئاسي، وبتفسيره ان من يترك الحدود البرية على حالها يقدم اوراق اعتماد لتعزيز حظوظه الرئاسية، وان ذلك يُستكمل في التشدد بحراً، والامر يعني ايضا استجابة للضغوط الغربية بمنع النازحين من مغادرة لبنان في اتجاه اوروبا، مع العلم ان المخاطر في البحر كثيرة، وان كارثتي 24 نيسان و22 ايلول 2022 لا تزالان في ذاكرة اهالي ضحايا المركبين المنكوبين قبالة الشواطىء اللبنانية والسورية مع استمرار تواجد جثامين العشرات على عمق يفوق الـ500 متر تحت سطح البحر.
كلام باسيل عن البحر سبقته تلميحات الى تورط غير مدنيين بتهريب السوريين الى لبنان، فضلاً عن انتقادات من اكثر من جهة للحكومة ومعها الاجهزة الامنية بالتراخي في صد موجات النزوح، وفي الوقت عينه التصدي بشكل متشدد لموجات الهجرة عبر البحر، ولفت في هذا السياق كلام الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن فكرة ترك النازحين السوريين الراغبين في الهجرة الى اوروبا.
بَيد ان الوقائع تشير الى ان السيد نصرالله لم يكن اول من اطلق تلك الفكرة، فهي متداولة في لبنان منذ عهد الرئيس ميشال عون، ولا سيما بعد التجربة التركية، وكذلك بعد اجهاض المبادرة الروسية لإعادة النازحين عام 2018 وكذلك ادارة المجتمع الدولي الظهر لتداعيات ازمة النزوح السوري، واكثر من ذلك ذهبت دول في اتجاه تشجيع النزوح والضغط بهدف بقاء النازحين في لبنان.
في الحصيلة، حاول الجيش ابلاغ من يعنيهم الامر أنه يقوم بما يجب ان يقوم به ولكن ليس في اليد حيلة، وبالتالي ستبقى موجات النزوح على حالها، وربما ستتضاعف في ظل عودة التوتر الى الاقليم، والاخطر من ذلك كانت احداث ليل الخميس – الجمعة في الدورة والنبعة وبرج حمود وغيرها وكأن الامر كان “بروفة” لِما هو آت.
وعليه، يبقى السؤال: لماذا لا تُعلن حال الطوارىء على الحدود الشمالية وغيرها مع سوريا طالما ان الامكانات لن تغلق باب النزوح؟
النهار