منذ فترة غير قصيرة، لا يفوّت رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل فرصةً إلا ويستغلّها من أجل “التصويب” على الجيش بشخص قائده العماد جوزيف عون، إما مباشرةً أو مواربةً، فيتهمه تارةً بمخالفة القانون، وطورًا بالتقصير والتواطؤ، مستخدمًا ملف اللاجئين السوريين “ستارًا” لهجوم لا يخفى على أحد أنّ أبعاده تتجاوزه، لترتبط بملف الانتخابات الرئاسية العالقة منذ نحو عام.
وإذا كان قائد الجيش يلتزم عادةً بالصمت، فلا يعلّق على الكلام الصادر عن باسيل أو غيره، مفضّلاً “تحييد” المؤسسة العسكرية عن المهاترات السياسية، فإنّه على ما يبدو اختار هذه المرّة تكتيكًا مختلفًا، فردّ على باسيل من دون تسميته، معتبرًا أنّ أزمة النزوح هي “أشدّ التحديات” التي تواجه الجيش حاليًا، ومشيرًا إلى أنّ الأخير يتصدّى “وحده” لتحدي النازحين على الرغم من كل التعقيدات الجغرافية واللوجستية والعددية، وفق وصفه.
لم يكتفِ عون بذلك، بل حيّا كلّ الضباط والعناصر الذين يبذلون قصارى جهودهم للحد من النزوح وتداعياته، رغم ما وصفها بـ”الحملات المشبوهة” التي يتعرّض لها الجيش، في إشارة مبطنة، ولكن واضحة، فهل تصبح المعركة بين باسيل وعون “مباشرة” من الآن فصاعدًا؟ ولماذا اختار قائد الجيش أن يردّ “بالمباشر” هذه المرّة؟ وكيف يقرأ “العونيّون” الرسائل التي وجّهها “القائد”، وهم المعنيّون بها أكثر من غيرهم، كما يقول العارفون؟!
“طفح الكيل”؟!
بمعزل عن المغزى الحقيقي لكلام قائد الجيش، وما إذا كان قد جاء في سياق “الردّ المباشر” على باسيل كما فهمه كثيرون، أو في سياق “أعم وأشمل” ربطًا بحملات متعدّدة الاتجاهات يتعرّض لها الجيش بين الفينة والأخرى، يقول العارفون إنّ رئيس “التيار الوطني الحر” معنيّ به أكثر من غيره، لأن هجومه على قائد الجيش أضحى “شبه يومي”، بل إنّه ما عاد يميّز بين “القائد” بشخصه، والمؤسسة العسكرية التي لها “قيمتها” لـ”التيار” قبل غيره.
يقول هؤلاء إنّ الهجوم المتكرّر على قائد الجيش لا يُفهَم عمليًا إلا من منطلق سياسيّ، ولا سيما أنّ باسيل بات “يستشعر” بأنّ حظوظ العماد جوزيف عون الرئاسية ترتفع يومًا بعد يوم، وأنّ “الفيتو” الذي يشهره في وجهه قد لا يكون كافيًا لمنع وصوله إلى قصر بعبدا، في ظلّ غطاء إقليمي ودولي يبدو داعمًا للتوافق على اسمه، وموافقة ضمنية من الكثير من القوى السياسية، أو بالحدّ الأدنى “غضّ نظر”، أو ربما “عدم ممانعة” لانتخابه رئيسًا.
لكلّ هذه الأسباب، يرى المتابعون أنّ الحملات التي يشنّها باسيل على قائد الجيش قد تكون مفهومة، بالمعنى السياسي، وإن لم تبدُ كذلك في الواقع العمليّ، ولا سيما في ظل اعتقاد كثيرين بأنّ “الكيل قد طفح”، وأنّ الهجوم أضحى “شخصيًا”، ولم يعد “مضبوطًا”، ولعلّ هذا بالتحديد ما دفع العماد عون للردّ بالمباشر هذه المرّة، ولا سيما أنّ انتقادات باسيل لم تعد محصورة به، بل شملت إلى جانبه، ضباطًا وقيادات “بالجملة” في المؤسسة العسكرية.
كيف يُفهَم “ردّ” عون؟
استنادًا إلى ما تقدّم، يرى العارفون أنّ الردّ الذي صدر عن قائد الجيش جاء “لوضع النقاط على الحروف”، علمًا أنّ العماد عون “تعمّد” أن يأتي الرد في سياق عام، حتى لا يُعطى أبعادًا سياسية لا يريدها الرجل، الذي نفى أصلاً أن يكون مرشحًا لرئاسة الجمهورية، أو حتى أن يكون أحد قد فاتحه بالأمر، لإدراكه أنّ مجرد الغوص في “مستنقع السياسة” لن يضرّ بحظوظه فحسب، ولكن سيترك آثارًا سلبية على المؤسسة العسكرية، وهو ما لا يشكّل مصلحة لأحد.
لكنّ هذه المقاربة لا تبدو مقنعة لبعض أوساط “التيار الوطني الحر” التي تعتبر أنّ كلام عون الأخير كان بمثابة “خطاب انتخابي” ليس إلا، وأنّ الرجل ما عاد قادرًا على إخفاء طموحاته الانتخابية، ولا سيما عندما “يركب” موجة الحديث عن النزوح السوري، بعدما أصبح ملفًا “شعبويًا” بامتياز، في حين أنّ باسيل كان أول من أثاره منذ فترة طويلة، لكنّه كان يُتّهَم بـ”العنصرية”، من قبل الفئات نفسها التي “تستنفر” اليوم لحلّ الملف.
أما “أخطر” ما ورد ضمنًا في كلام “القائد” وفقًا لـ”العونيّين”، فيكمن في إيحائه بأنّ المؤسسة العسكرية تتعرّض لحملات “مشبوهة”، وهو ما ينافي الحقيقة، لأنّ “لا حملات” أصلاً تستهدف مؤسسة الجيش، ولا حتى عون نفسه، بل إنّ باسيل يوجّه بعض “الملاحظات” على الأداء، من باب “الغيرة” على مؤسسة لها “قيمتها المعنوية الكبيرة” بالنسبة إلى “العونيين” قبل غيرهم، ومحاولة دقّ إسفين بين الجانبين لا يمكن أن تكون “موفّقة” بالمُطلَق.
ليست “المعركة” بين رئيس “التيار الوطني الحر” وقائد الجيش وليدة اللحظة، فقد أعلنها باسيل منذ اللحظة التي شعر فيها أنّ عون يمكن أن يكون مرشحًا “جدّيًا” للرئاسة، بل يمكن أن ينافسه على “الحيثية والزعامة”. لكن الخطير في الأمر أنّ هذه “المعركة” تتجاوز الحدود المرسومة لها، كلما ظهرت مؤشرات تدلّ على ارتفاع “أسهم” قائد الجيش، حتى تكاد “تطيح” في طريقها بالعلاقة “التاريخية” بين الجيش و”التيار”، فهل نصل إلى هذه المرحلة؟!
المصدر: لبنان 24