نذكّر بألم، أننا تحوّلنا من اقتصاد مصرفي دولي مراقب داخلياً وإقليمياً ودولياً، إلى اقتصاد الكاش العشوائي والخطر. إنّ جزءا كبيرا من اللبنانيين أُجبِر على حرق ودائعه، ليبقى منها 10% من مدّخراتهم وجنى عمرهم، لتأمين لقمة العيش والأدوية والإستشفاء والحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية. والبعض استطاع إعادة هيكلة مداخيله وأعاد تكوين بعض المدّخرات من الكاش مجدداً.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما مستقبل ومخاطر العملات الورقية وهذا الكاش المختبئ في البيوت أو في صناديق الأمان؟
نذكّر ونشدد على أن اقتصاد الكاش هو أخطر إقتصاد في العالم، إذ انه يجذب المهرّبين والمروّجين ومبيّضي الأموال، ويُهرّب المستثمرين والرياديين والمبتكرين. فإقتصاد الكاش يُحفّز الإقتصاد الأسود، ويطعن بالإقتصاد الأبيض الشفّاف.
فمن بعد إنهيار القطاع المصرفي وخصوصاً إنعدام الثقة بالمصارف والدولة، لا يجرؤ أحد على وضع سنت واحد من وديعته في قطاع مهترئ. البعض يستطيع تحويل بعض مدّخراته إلى الخارج، بعد تدقيق دقيق، من قبل ضباط الإمتثال الدولية، أما البعض الآخر، فمحكوم بتخبئة بعض الدولارات الفريش الثمينة تحت الوسادة، أو في سنديانة الحديقة، مثل أجدادنا، أو في بعض الصناديق الآمنة. فهناك مخاطر كبيرة، ليس فقط في أمانة هذه الأموال الجديدة، لكن في مستقبلها، في الإقتصاد الدولي، في صلب إعادة هيكلتها.
إن الحرب العالمية القائمة بين العملات، هي من جهة، في التنافس على مَن سيتحكّم بالسوق الدولية، وأيّ عملة تفرض سيطرتها. أما من جهة أخرى، الكل مُتفق وهناك إئتلاف دولي، لمحاربة العملات الورقية، وإستبدالها بالعملات الرقمية. فهذا التحوّل جار في سرعة مذهلة، وسنصل الى يوم ستتبخّر فيه العملات الورقية في السوق، وسيُمنع استعمالها في الأسواق. فعلينا أن نكون واعين ومدركين لهذا التحوّل السريع، لعدم الوقوع في أفخاخ جديدة ومؤذية.
من جهة أخرى، للذين يستطيعون تحويل جزء من هذه العملات الجديدة، علينا ألاّ ننسى أو نتناسى أن هناك مخاطر كبيرة من إعادة إدراج لبنان على اللائحة الرمادية جرّاء زيادة تبييض الأموال. لقد حُظّرنا من المنظمات الدولية منذ أشهر عدة حيال هذه المخاطر الجدية، ولم يُتخذ أي تدبير أو إصلاح لمنع حصول هذه الكارثة الجديدة. فشبح اللائحة الرمادية وحتى السوداء يُمكن رؤيته في الأفق.
إضافة إلى ذلك، علينا أن نزيد مخاطر المصارف المراسلة والتي لا تزال تتعامل مع المصارف اللبنانية، فهنا أيضاً مخاطر كبيرة من أن هذه المصارف المتبقية تُجبر على وقف التعامل مع المصارف اللبنانية، لأسباب الإمتثال أو الحوكمة كما الشفافية، وعدم احترام القواعد الدولية، لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
كذلك، شئنا أم أبينا إن قانون الكابيتال كونترول، الذي يتشاجرون عليه منذ نحو أربع سنوات، سيُبصر النور يوماً، وهذا «الكونترول» سيكون ليس فقط على الأموال القديمة لكن سيضم الأموال الجديدة. وهذه ستكون رصاصة الرحمة على ما تبقّى من الإقتصاد والديموقراطية وحرية التعامل.
فهناك مخاطر جدية لوضع قيود صارمة، على الفريش كاش الجديد، وإذا ما حصلت ستخلق سوقاً سوداء جديدة، وبعض الصرّافين وحيتان المال جاهزون لسحب مكاسب ونسَب عالية لتهريب الكاش من البلد، كما يحصل حتى الآن في بلدان أفريقية عدة.
أخيراً، إن السياسيين اللبنانيين، بعدما نهبوا ودائع ومؤسسات الدولة، يبقى تركيزهم اليوم على طرق عدة ومحترفة لوضع اليد على الفريش كاش الجديد، الذي أُعيد تكوينه أو الذي سُرق من الودائع.
في المحصّلة، إن المسؤولين المباشرين عن أكبر عملية نهب في تاريخ العالم، لا يُمكن أن يكونوا حتى جزءاً من الحل، لكن بعد إعادة انتخابهم من الشعب المذلول عينه، ومن دون أي محاسبة أو مساءلة أو ملاحقة، لا شك في أنهم سيتابعون عملية النهب، الفساد والسرقة، لتكوين غنائم حرب هائلة، وأعينهم مركّزة اليوم على الفريش كاش الجديد. فمن جهة إن المجتمع الدولي يتخوّف من الفريش كاش الآتي من تبييض الأموال وبمقدوره تمويل الإرهاب، ومن جهة أخرى إن السياسيين اللبنانيين يخشون من أن هذه المدّخرات ستُسحب أيضاً من بين أيديهم من دون أي استفادة.
الجمهورية