فيما ينتظر اللبنانيون والعالم ما ستنتهي اليه المواجهات العسكرية على الحدود الجنوبية بين اسرائيل و”حزب الله” من رأس الناقورة الى تخوم مزارع شبعا المحتلة، وما اذا كانت التطورات العسكرية ستتجه الى حرب بين الطرفين، جاءت أخبار وقف أعمال الحفر في البلوك الرقم 9 لتنزل كالصاعقة على رؤوس اللبنانيين. وكان واضحا ان الحزب لم يعلّق على تلك التسريبات في انتظار الحصول على اجوبة نهائية من الجهات اللبنانية الرسمية المتمثلة بوزارة الطاقة وهيئة ادارة قطاع البترول.
ولدى سؤال قيادي كبير في الحزب وهو من الدائرة الضيقة وفي موقع اتخاذ القرارات الكبرى على مسار الجبهة والتحضير لاحتمال اتساعها على غرار تموز 2006، جاء رده على كل ما يدور في البلوك 9 وما يرافق اعمال الحفر في هذا التوقيت بجملة واحدة: “وداعاً كاريش” من دون اضافة حرف واحد. ويُفهم من كلامه هذا انه في حال عدم احتواء بئر قانا التي يجري الحفر فيها على كميات الغاز الموعودة وظهر تلاعب في النتائج تصبح كل الآبار الاسرائيلية من “كاريش” وغيرها تحت مرمى استهداف “نيران المقاومة” من لبنان وغزة. وتملك “حماس” ورقة تعطيل أعمال الحفر و”تهريب” الشركات الاجنبية التي تقوم بعمليات استخراج الغاز وتصديره بتعطيل هذه الاعمال، فكيف اذا طاولتها الصواريخ والمسيّرات. واذا لم تقدر على تدمير كل هذه المنشآت ففي امكانها على الاقل ان تمنع اصحابها من العمل وتعطيل خطوط تصدير الغاز الى الخارج وتكبيدها خسائر مالية واقتصادية ضخمة تساهم في اهتزاز ميزان الاقتصاد والانتاج الاسرائيليين.
ومن المفارقات التي يتوقف عندها المتابعون انه رغم انهماك قيادة “حزب الله” وكبار كوادره في متابعة الحرب المفتوحة في غزة والوضع على طول الحدود اللبنانية في الجنوب، لا يزالون يتحركون ويشاركون في مناسبات اجتماعية في دلالة على تعاطيهم الهادىء مع كل ما يدور وما ستكشفه الايام المقبلة. ويقول قيادي في الحزب ردا على سؤال ان اسرائيل “رمت 4 آلاف طن من القنابل والمتفجرات فوق بيوت غزة واهلها في أقل من اسبوع ولم يستعمل الاميركيون هذه الكمية في سنة ابان وجودهم في افغانستان”، ويضيف: “ليفرغوا كل مخزون طاقاتهم وليتفرج العالم على صلابة الفلسطينيين وابناء غزة في تمسكهم بأرضهم”. واذا كان الحزب لا يريد تكرار مشهد 2006، إلا أنه لن يهرب من المعركة ولن يتجنبها في حال تفلت الامور اكثر في غزة، لأنه يعرف سلفاً ان القضاء على “حماس” أمر لن يتقبّله، لأن تل أبيب تكون قد حققت أمنياتها. وهذا ما قاله بنيامين نتنياهو في هذا الصدد، وسيأتي يوم ويفعل الامر نفسه ضد “حزب الله” وحده. واذا كانت المعركة مفتوحة في غزة في سباق بين الحرب والديبلوماسية حيث الكلمة الآن لا تزال للطائرة والمدفع، فإن الاتصالات السياسية والديبلوماسية لم تتوقف.
وهذا ما شدد عليه وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان حيث كانت خلاصة زيارته الى بيروت: “كيفية انقاذ غزة رغم كل ما تلقته من تدمير لمبانيها واستشهاد أعداد كبيرة من اهلها”. وما يتوقف عنده مرجع لبناني هو ان المواجهة الاخيرة ليست بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية ضد اسرائيل مع دول غربية عدة، وان حضور قطع من الاسطول الاميركي الى المنطقة ليس بالامر السهل حيث يتفرج العالم على مأساة الفلسطينيين.
في غضون ذلك، ورغم متابعة اللبنانيين مسار الاحداث العسكرية، لم تتوقف زوبعة الحديث عن عدم وجود غاز في “حقل قانا”، ولم يصدر اي موقف لبناني رسمي بعد يوضح حقيقة ما حصل، ولا سيما ان الرئيس نجيب ميقاتي اعلن ان اشارات غير مشجعة وصلته من “#توتال”، في وقت سمع الرئيس نبيه بري من سفير فرنسا إيرفيه ماغرو كلاماً ان شركة بلاده المعنية بأعمال الحفر والمسؤولة عنه ستصدر تقريراً مفصلاً في انتظار الحصول على نتيجة عيّنة اخذتها الى مختبراتها في باريس للبناء عليها. وينقسم المعنيون حيال هذا الملف من سياسيين وخبراء في حقلي النفط والغاز بين من يصدق تسريبات تقول بعدم وجود كميات غاز مشجعة وانتظار الحصول على رد مفصل من “توتال”، فيما يدعو خبراء لبنانيون يتعاطون مع هذا الملف بطريقة علمية الى تغليب المنطق التقني على العاطفي وعدم الأخذ بأي تفسيرات او تسريبات غير مثبتة. وهذا الامر دفع مديراً كبيراً في “توتال” الى القول ان “كل اللبنانيين اصبحوا خبراء في التنقيب واستخراج المواد النفطية في مشهد لم نعثر عليه في اعمالنا في اي بلد في العالم”.
وليس من باب الدفاع عن “توتال”، يقول خبير نفطي لبناني: “لماذا يجري التشكيك بها والداتا التي تصدرعنها اليوم؟”. ويجري التحذير من السير بنظريات المؤامرة التي تؤدي الى كارثة والى حربٍ بغضّ النظر عما يدور في غزة، وان تحريف النتائج لا يساهم في خدمة هذا الملف، واذا لم يتم الركون الى نتائج علمية واضحة وثابتة ومنطقية فسيؤدي الامر الى مزيد من البلبلة، ما يتطلب ان تشكل وزارة الطاقة وهيئة قطاع البترول “خلية ازمة” والاستعانة بخبراء لبنانيين معروفين وأجانب وبالتعاون مع “توتال” لتبيان حقيقة وجود غاز أو عدمه، لأن هذا الملف كفيل وحده بان يشعل حرباً.
“النهار”- رضوان عقيل