قبل أيام قليلة فقط، كان سيناريو اتساع رقعة المواجهة بين “حزب الله” والعدو الإسرائيلي مُستبعَدًا بقوة بالنسبة إلى المتابعين، الذين كانوا يميلون إلى الاعتقاد بأنّ قواعد الاشتباك المعمول بها منذ العام 2006 لا تزال “تتحكّم” بالمعطيات الميدانية على الأرض، وبالتالي أنّ العمليات والعمليات المضادة بين الجانبين ستبقى “محصورة” في الزمان والمكان، مع ما تنطوي عليه من معادلات “ردع” لا بدّ منها لمنع الحرب.
لكنّ التطورات “الدراماتيكية” التي شهدتها الجبهة الجنوبية خلال الأيام القليلة الماضية، والتي قرعت معها “طبول الحرب” بالمعنى الحرفيّ، أعادت الشكوك والمخاوف إلى “الذروة”،خصوصًا بعد الاستهداف الإسرائيلي المباشر للإعلاميين والمدنيين بلا أيّ رادع، ناهيك عن التصويب على مراكز المراقبة التابعة لـ”حزب الله”، وكلّها عوامل دفعت الحزب إلى رفع درجة “تأهّبه”، واستهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية في أكثر من نقطة.
ومع سقوط الشهداء على الضفة اللبنانية، وبينهم مدنيّون لا ذنب لهم، فضلاً عن الصحافي والمصوّر الصحافي الشهيد عصام عبد الله الذي كانت “خطيئته” قيامه بواجبه المهني، مع الالتزام بكلّ قواعد الحماية المطلوبة، التي تجاهلها العدو عن سابق تصوّر وتصميم، يتجدّد السؤال نفسه: فهل أصبحت الحرب، بكلّ ما للكلمة من معنى، أمرًا “حتميًا” في سياق التطورات؟ وهل بات “اشتعال الجبهة” مسألة وقت لا أكثر، كما يقول البعض؟!
“المبدأ لم يتغيّر”
ليس خافيًا على أحد أن ما شهدته “جبهة” جنوب لبنان خلال الأيام القليلة الماضية من توتر متصاعد، وصل إلى ذروته في الساعات القليلة الماضية، خصوصًا بعد جريمتي اغتيال عبد الله، والمدنيّين في منطقة شبعا، أخرج المواجهة عن “انضباطها ومحدوديتها”، وهو ما تجلى في العمليات “المتسلسلة” التي تبنّاها “حزب الله”، تحت شعار “العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم”.
لكنّ العارفين يجزمون أنّه رغم هذا التوتر، فإنّ “المبادئ العامة” التي طبعت المواجهة منذ اليوم الأول لا تزال على حالها، باعتبار أنّ “لا مصلحة” في توسيع آفاقها لا بالنسبة إلى إسرائيل، وهو ما أقرّ به مسؤولوها وعسكريوها في الأيام القليلة الماضية، ولا بالنسبة إلى “حزب الله”، الذي يؤكد أنّه جاهز لخوض الحرب “متى فُرِضت عليه”، ولكنّه لن “يبادر” إلى أيّ خطوة قد تصبّ في خانة “استدراج الحرب” لأسباب كثيرة، منبثقة من الواقع الداخلي.
ومع أنّ الحزب ألمح عبر مقرّبين منه إلى إمكانية تغيير المعادلة التي تحكم أداءه، إذا ما تمادى الإسرائيلي في حربه على غزة، وصولاً لحدّ اجتياح القطاع بريًا، ومع أنّ الإيرانيين ثبّتوا أيضًا هذا المُعطى، من خلال وضعهم كلّ السيناريوهات على الطاولة، مع رمي كرة “المبادرة” في ملعب “حزب الله”، يقول العارفون إنّ الثابت أنّ الحرب لا تزال “الخيار الأخير” بالنسبة لكلّ الأطراف، وإن باتت “أقرب من أي وقت مضى”، وفق بعض التقديرات.
السيناريوهات المحتملة
قد تختصر العبارة الأخيرة الكثير من المعادلات المستجدّ، فالحرب هي فعلاً “الخيار الأخير” لكلّ الأطراف، بل إنّهم جميعًا مقتنعون بأنّ “لا مصلحة” في التورّط بها في الوقت الحاضر، ولو تفاوتت الاعتبارات، ولكنّ كلّ شيء يمكن أن يخرج عن السيطرة في أيّ لحظة، ولا سيما أنّ كل المؤشرات توحي بأنّ الحرب “أقرب من أيّ وقت مضى”، إن لم تصل المواجهة على حدود لبنان الجنوبية إلى مثل هذا التوتر منذ حرب تموز 2006.
من هنا، يتحدّث العارفون عن عدّة سيناريوهات مطروحة على الطاولة، تغلب عليها فرضية استمرار “المناوشات”، إن جاز التعبير، بين الجانبين كما هي حالها اليوم، بحيث تتواصل ما يمكن وصفها بلعبة “القط والفأر”، من خلال عمليات محدودة، ولو توسّعت، برسائل واضحة الأهداف والدلالات، وقصف مضاد يبقى أيضًا محدودًا، ولو توسّع، بما يكرّس “توازن الرعب” القائم بين الجانبين، على أكثر من صعيد ومستوى.
وعلى الرغم من أنّه لا يزال مُستبعَدًا، في العمق الاستراتيجي، فإنّ سيناريو “الحرب المفتوحة والواسعة” يبقى مطروحًا على الطاولة، وفق ما يقول العارفون، باعتبار أنّ المواجهة “المضبوطة” يمكن أن تخرج عن كلّ “الضوابط” في أيّ لحظة، ولو أن هؤلاء يعتقدون أنّ تكرار سيناريو شبيه بـ”حرب تموز” يبقى غير وارد في الوقت الحالي، إلا في حالة حصول تطورات دراماتيكية غير محسوبة، سواء على جبهة غزة، أو لبنان.
طبول الحرب تُقرَع بين “حزب الله” وإسرائيل. ليس ذلك بخافٍ على أحد. فما يحصل على الحدود الجنوبية هذه الأيام يكاد يكون غير مسبوق منذ حرب تموز 2006، سواء من حيث وتيرة العمليات، أو حجمها، أو حتى الأهداف المتوخّاة منها. لكنّ السيناريو “التالي” لقرع الطبول، قد لا يكون وقوع الحرب، بل استمرار “الستاتيكو” الحاليّ حتى إشعار آخر، قد يكون مرتبطًا بمسار حرب غزة نفسها، وما يمكن أن يفعله الإسرائيلي فيها، وهنا بيت القصيد!