مرتا مرتا” والرسالة واحدة: إيّاكم أن تقحموا لبنان في مغامرة غير محسوبة النتائج، ذلك كان عنوان زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا لبيروت، لا بل إن سائر الدول الأوروبية ومن الطبيعي الولايات المتحدة الأميركية، يتبنّون ويدعمون موقفها. واللافت أن فرنسا مربط خيل لبنان ومن تجمعه بها خصوصية تاريخية، ثقافية واجتماعية، بدت متشددة وحاسمة في دعمها لإسرائيل ورفضت أي تظاهرة تندّد بالمجازر التي تُرتكب بحق العُزّل في غزّة، فيما سائر العهود الفرنسية المتعاقبة، لطالما كانت تدين ما تقوم به إسرائيل عبر حروبها مع العرب وتحديداً من الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما بعده من عدوان نيسان وعناقيد الغضب، إلى حرب تموز 2006، وسبق لوزير خارجيتها هيرفي دوشاريت أن تجنّد ديبلوماسياً إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري لوقف عدوان نيسان 1996 وأدت دينامية الحريري حينذاك إلى تشريع عمل المقاومة سنوات قبل التحرير في عام 2000.
وبالعودة إلى زيارة كولونا، فهي وفق مصادر سياسية متابعة لـ”النهار”، تصب في إطار القرار المتخذ سلفاً من واشنطن إلى سائر العواصم الأوروبية بدعم إسرائيل وتحذير لبنان من مغبّة أي انزلاق عبر فتح الجبهة الشمالية وتشريع الحدود لحرب قد تكون نتائجها مكلفة على لبنان وكارثية. وهو ما سينسحب على زيارة وزير خارجية تركيا وكل من سيأتي إلى العاصمة اللبنانية راهناً والبداية كانت من خلال كولونا لما لباريس من معرفة وثيقة بالشأن الداخلي للبلد لكونها قادرة على توصيل الرسالة كما هي، عدا عمّا لديها من معلومات ومعطيات نقلتها إلى من التقتهم الأمر الذي سيحمله أكثر من موفد في الأيام المقبلة. وعُلم أن اتصالات رفيعة المستوى حصلت مع بعض المرجعيات السياسية من خلال صداقات قديمة تحذرهم من الآتي إلى بلدهم إن دخل لبنان في الحرب وقيل لهم هذه المرة “ما رح تشوفونا حدكن”، وتتخطى هذه التحذيرات الأوروبيين والولايات المتحدة الأميركية إلى الدول العربية، وهو ما تبدّى بوضوح خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، حتى إن وزير خارجية خليجياً كان واضحاً عندما قال: “لن ندفع أي فلس بعد اليوم إذا أقحمتم لبنان في حرب غزّة”.
بدوره النائب سيمون أبي رميا المطلع على المعالجات الفرنسية، قال لـــ”النهار” إن وزيرة الخارجية الفرنسية حملت إلى لبنان رسالة تحذيرية وأبلغت المسؤولين اللبنانيين أن إسرائيل لن ترحم لبنان إذا فُتحت الجبهة من الحدود الجنوبية، ويمكن القول إنها رسالة إسرائيلية، فهناك قتلى وأسرى فرنسيون سقطوا بفعل هذه الحرب ومعظمهم يحمل الجنسية المزدوجة أي الفرنسية والإسرائيلية، ما ينسحب على جنسيات أخرى، لافتاً إلى أن كولونا كانت حاسمة وجدية إلى أبعد الحدود في تحذيراتها للمسؤولين اللبنانيين، نافياً أن يكون جرى البحث في موضوع الاستحقاق الرئاسي بل انحصرت زيارتها في تبليغ الرسالة الشديدة اللهجة من إسرائيل وواشنطن وأوروبا، أي حذارِ أن ينزلق لبنان إلى الحرب لأن الثمن سيكون باهظاً وكلفته عالية على لبنان الذي من الطبيعي في ظروفه الراهنة اقتصادياً واجتماعياً ليس بوسعه أن يتحمّل أي مغامرة أو وزر حرب في ظل معاناة أهله بكل أطيافه.
وخلص قائلاً: “لا ننسى أن الرئيس الأميركي جو بايدن آتٍ إلى إسرائيل، والأمر عينه للألماني وربما سواهما، ما يعني أننا أمام أيام مفصلية بامتياز، وعلى هذه الخلفية جاءت وزيرة الخارجية الفرنسية لتحذّر من الآتي، فبعد انفجار المرفأ – والكلام لأبي رميا – حصلت عملية هجرة واسعة من اللبنانيين، فكيف إذا اندلعت الحرب من لبنان؟ عندئذ سنشهد موجات من الهجرة.
وختاماً، من خلال المعلومات والمعطيات المستقاة من جهات سياسية وديبلوماسية، قد تكون رسالة كولونا الديبلوماسية على طريقة أو وفق القول “اللهم أشهد أني بلّغت”، ما عبّرت عنه ناظرة الخارجية الفرنسية وستكرّ السبحة من الموفدين الآخرين، فالبعض كان يتوقع لأيام خلت أن ديبلوماسية باريس ستتحرك على أعلى المستويات لانتخاب رئيس للجمهورية والتحذير من استمرار الشغور الرئاسي، لكن الظروف تبدّلت وتغيّرت ولا صوت يعلو على صوت “قرقعة السلاح وقرع طبول الحرب” والتحذير من القادم إلى المنطقة ولبنان، وبناءً على ذلك جاءت زيارة كولونا الخاطفة والأهم الرسالة التي حملتها لتكشف الأوساط والمصادر المتابعة لمضمونها، أنها كانت قاسية ولم تدخل في خصوصية الموقف اللبناني الذي “لا حول ولا قدرة له”، بمعنى أنه ليس هناك من رئيس للجمهورية إلى حكومة تصريف أعمال وانقسام داخلي إلى اعتبارات فائض القوة، ولكن لم يعد المجتمع الدولي يأخذ بهذه الخصوصيات بما فيه فرنسا ما ظهر جلياً أثناء زيارة كولونا للمنطقة وتعريجها على لبنان لتحذّر وتبلّغ لا أكثر ولا أقل.
“النهار”- وجدي العريضي