لا يهم أن تبقى المؤسسة العسكرية من دون قيادة، بل المهم عدم التمديد لقائدها لئلا يبقى المرشح الأقوى في السباق الى قصر بعبدا. هكذا كانت خلاصة الاتصالات الجارية لمعالجة الشغور وإنجاز التعيينات العسكرية، وهكذا كانت إحدى نتائج اللقاء الذي جمع بين مرشحين لدودين للرئاسة، سليمان فرنجية وجبران باسيل.
حركة الاتصالات تقتصر حالياً على عين التينة والسرايا، وما بينهما مبادرة يقوم بها النائب المستقل غسان سكاف الذي يحمل في جعبته اقتراح قانون بالتمديد لقائد الجيش وذلك بعد لقاء جمعه به وبرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ، في انتظار لقاء رئيس المجلس نبيه بري، لبلورة مصير الاقتراح، هل يمر عبر المجلس أم يُصرف النظر عنه إذا تمكنت الحكومة من معالجة الموضوع.
حتى الآن، لا قرار واضحاً في شأن الخيار الذي سيُعتمد، علماً بأن كل الخيارات تبدو سيئة ودونها ألغام وفخاخ.
فرئيس المجلس يفضّل أن يخرج الحلّ من السرايا الحكومية، وهو لن يبادر الى فتح أبواب المجلس إلا متى تيقن أن الحكومة وصلت الى طريق مسدود.
من جهته، لم يقفل ميقاتي الباب أمام المساعي التي لم تثمر حتى الآن إلا المزيد من التعقيدات، ولا سيما بعد المشكلة المستجدة مع وزير الدفاع موريس سليم على خلفية تجاوز رئيس الحكومة لصلاحيات الوزير ولتذكيره بالمادة ٧٠ من الدستور، لناحية الإخلال بالواجبات.
لكن ميقاتي حريص على عدم التسرّع والتعامل مع الموضوع بهدوء وتروٍّ، كما قال غداة لقائه برّي. وهو يرى أن ثمة متسعاً من الوقت لاتخاذ القرار. وبناءً على ذلك، فإن النائب سكاف لن يبادر الى تقديم اقتراح قبل أن تنجلي أمامه الصورة كاملة، والصيغة التي سيتم اللجوء إليها.
في القانون، الحل متوافر ويقضي بتعيين رئيس للأركان لأنه لا يجوز إبقاء المنصب شاغراً، وهو المنصب الذي يتولى قيادة الجيش في حال شغورها، وبعد ذلك أو بالتوازي، إما يتم تعيين قائد جديد، وهذا متعذر وربما مستحيل في ظل الظروف الراهنة وشغور الرئاسة، وإما تأجيل تسريح القائد لمدة معينة. وفيما يحتاج تعيين رئيس أركان وملء شغور المجلس العسكري لقرار من مجلس الوزراء، فإن تأجيل التسريح لا يحتاج إلا لقرار من وزير الدفاع، هو متعذر لأن الوزير ومن يمثّل ضدّ هذا القرار. هذا ما يجعل إدارة الملف تحصل في السياسة لا في القانون.
على مقلب آخر، يدخل الموقف الأميركي من باب الدعم الذي تقدّمه واشنطن للجيش. وتردّدت معلومات عن أن السفيرة الأميركية أبلغت المعنيين أن واشنطن لا ترغب في حصول الشغور في قيادة المؤسسة، وهي مع ملء الموقع قبل شغوره إما بتعيين أو تمديد للقائد الحالي.
وهذا الموقف أبلغته كذلك للرئيس الأسبق ميشال عون، وذلك تحت وطأة توقف المساعدات للجيش، خصوصاً إذا آلت الأمور الى تسلم العضو المتفرّغ في المجلس العسكري اللواء بيار صعب مهمة إدارة المؤسسة. في هذا السياق، ترددت معلومات عن أن المساعدات توقفت لقوى الأمن الداخلي، وإذا انسحب الأمر على الجيش، فإنه يهدّد استمرارية المؤسسة بالإمكانيات الضعيفة المتاحة لها.
في الخلاصة، لا رؤية واضحة للحل الذي سيُعتمد في انتظار من سيقول آخ أولاً.
فرئيس الحكومة لن يتحرك قبل أن يتضح ما سيقوم به وزير الدفاع، المعنيّ المباشر وصاحب الصلاحية في الاقتراح والبت. هذا لا يعني أن الأمور ستُترك حتى اللحظة الأخيرة، وأن آليّة التمديد لعون لن تكون جاهزة، ولكن لن يتم اللجوء إليها إلا بعد أن تتكشف نيّات وزير الدفاع في معالجة هذه المسألة الشائكة والمهمة والخطيرة في آن واحد!
سابين عويس -“النهار”