على وقع المعارك الضارية في قطاع غزة، والتي بدأ الجيش الإسرائيلي يتكبد فيها خسائر فادحة، تواصل الصحافتين الأميركية والإسرائيلية -مع ترقبهما لخطاب أمين عام حزب الله المقبل- تركيزهما على نشاط الحزب عبر الحدود اللبنانية، واحتمال وقوع أخطاء قد تجر الأطراف الإقليمية إلى ما لا تحمد عقباه.
“موعد رد الفعل الإسرائيلي الساحق”
بعد أن أوضحت إدارة بايدن لإسرائيل نيتها عدم دعم أي عمل وقائي إسرائيلي ضد حزب الله، كي لا يؤدي ذلك إلى إشعال حربٍ إقليمية قد تنجر إليها أميركا.. يرى موقع “ذا هيل” الأميركي، أن تدمير حزب الله لناطحات سحاب “أزريلي” في تل أبيب، أو توجيه ضربة مباشرة للكنيست أو مفاعل ديمونة النووي، من شأنه أن يرتفع إلى المستوى الذي يتطلب رد فعلٍ إسرائيلي ساحق.
ويضيف الموقع أن الأخطاء في حرب الجبهة الشمالية يمكن أن تحدث، فقد يطلق حزب الله صاروخاً باتجاه المستوطنات أو أي مدينةٍ شمالية أخرى، ويتسبب بمقتل المئات من المدنيين. وعند وقوع هذا السيناريو المرعب، أول ما سيتبادر إلى الأذهان هو السؤال التالي: هل تستطيع إسرائيل ضبط نفسها والاستجابة للضغوط الهائلة التي تمارسها إدارة بايدن، التي تفضل السماح لحزب الله بخوض حرب استنزاف بدلاً من الحرب الإقليمية الشاملة؟
انتظار المعركة المقبلة
ويسلط الموقع الضوء على حالة الرعب التي أصابت المستوطنين على الحدود اللبنانية بعد أحداث غزة، إذ بات الإسرائيليون الذين يعيشون في الشمال يعتقدون بأنهم لن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم إذا ما استمر الحزب في استهداف المدنيين بشكلٍ عشوائي والتهديد بالغزو في أي وقت.
أما فيما يتعلق باحتمال تنفيذ الحزب لعملياتٍ هجومية مدمرة في المعركة الحالية، فيشير الموقع بأنه من غير المعروف ما إذا كانت إيران تريد استخدام قوتها الآن، بعد دخول إسرائيل برياً إلى غزة، أو الاحتفاظ بهذه القوة ليومٍ آخر كجزء من استراتيجيتها طويلة المدى للقضاء على الدولة اليهودية. لكن ثمة اعتقاد عند الكثير من المحللين بأن وجود حاملات الطائرات الأميركية قد غيّر الحسابات الإيرانية، حيث جعلهم يكتفون بالاستمتاع بالدمار الذي أحدثته حماس بالنفسية الإسرائيلية والانتظار ليومٍ آخر.
نصرالله اتخذ القرار!
من جهتها، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، تقريراً عن الأوضاع على الجبهة الشمالية، لا سيما أن إطلاق الصواريخ لم يعد رمزياً ومتفرقاً، بل تحول إلى عملياتٍ يومية ضد إسرائيل، تُستخدم فيها صواريخ أكبر حجماً ويمكن أن تصل إلى مسافة أبعد، إضافةً إلى الصواريخ الثابتة المضادة للدبابات، والتعطيل المنهجي لمراقبة الحدود، ومحاولات تنفيذ عمليات تسلل صغيرة. وقد أدت هذه الهجمات إلى إجلاء ما يُقدر بنحو 125 ألف مستوطن من المناطق الحدودية.
ولكن بعد دخول الغزو البري لقطاع غزة يومه الخامس، تشدد الصحيفة أنه يمكن القول بحذر أن أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، قرر تجنب فتح الجبهة على مصراعيها. ويظهر ذلك جلياً بعدم استخدام الحزب لترسانته الصاروخية، وهو الذي يمتلك قوةً صاروخية ضاربة، وقادر على إطلاق ما بين 6000 إلى 8000 صاروخ في اليوم تجاه إسرائيل، أي ما يفوق بأشواط الرقم القياسي الذي سجلته حماس والذي يبلغ نحو 2000 صاروخ في اليوم الأول من الحرب، ويقترب من 50 إلى 200 صاروخ في اليوم منذ ذلك الحين.
وبينما يمتلك الجيش الإسرائيلي نظام دفاع صاروخي من أربعة طبقات، لإسقاط بعض هذه الصواريخ الأكثر تقدماً، تكشف الصحيفة بأن التوقعات العسكرية قدّرت على مر السنين أن هذا النظام لن يكون قادراً على إسقاط جميع صواريخ الحزب. وحتى مع نسبة نجاح تبلغ 90 في المئة، فإن تساقط 10 في المئة من هذه الصواريخ البالغ عددها 150 ألفاً، سيؤدي حتماً إلى تدمير إسرائيل.
مقاربة جديدة
وفي سياقٍ متصل، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، عن دبلوماسي إقليمي في بيروت قوله إنّ حزب الله يكبح على ما يبدو هجماته التي بلغت ذروتها الأسبوع الماضي، لتجنب إشعال حرب أوسع نطاقاً. مضيفاً أن الحزب إياه أطلع شركائه على مقاربته الجديدة التي تفيد بأن حماس في وضعٍ جيد ولا تحتاج بعد اليوم إلى مساعدته.
أمضت إيران سنوات في بناء شبكة من الميليشيات الموالية والمترابطة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا والعراق واليمن، لمساعدتها على توسيع نفوذها والتأثير على السياسات الداخلية للدول العربية وردع إسرائيل عن شن ضرباتٍ تستهدف برنامجها النووي. وقد تلقت العديد من هذه المجموعات تدريباً من حزب الله وانضمت بالفعل إلى القتال الإقليمي بطرقٍ محدودة. ولكن باعتباره الحزب الأكثر مهارة في الشرق الأوسط، فهو يمثل، حسب الصحيفة، الورقة الأكثر قيمة التي يمكن لإيران لعبها ضد إسرائيل. وبالتالي، فإن المخاطر المتوجبة على الانخراط بشكلٍ أوسع في الحرب كبيرة بالنسبة لحزب الله، بالنظر إلى حاملتيّ الطائرات الأميركيتين المتمركزتين في البحر الأبيض المتوسط، واللتين يمكن أن تضرباه بقوة.
نقاط الضعف الإسرائيلية
وعلى الضفة المقابلة، تتجنب إسرائيل المواجهة الكبرى مع حزب الله مع امتلاكه لصواريخ موجهة بدقة قادرة على ضرب أهدافٍ حساسة، واحتفاظه بأوراق ومفاجأتٍ كثيرة. وعن هذه النقطة تحديداً، تقول مها يحيى، مديرة مركز “كارنيغي للشرق الأوسط” في بيروت: “إنّ حزب الله اليوم في وضعٍ يسمح له بإلحاق الألم بإسرائيل إذا اختار الدخول في هذه الحرب. نطاق الرد الذي يمكن أن يقدمه حزب الله متنوع للغاية، فهو لا يحتاج إلى التوغل برياً في إسرائيل. وبالتعاون مع إيران، يمكنه البدء باستخدام الجبهة السورية، وقد تكون هناك هجمات خارج إسرائيل، تستهدف المصالح الإسرائيلية. لقد حدث ذلك من قبل”.
وفوق هذا وذاك، أثبت الجيش الإسرائيلي أنه ليس بأتم الجهوزية لقتال الجماعات المدربة تدريباً جيداً. وهذا ما أوضحه أندرو إكسوم، النائب المساعد الأسبق في وزارة الدفاع الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، بقوله للصحيفة الأميركية “لا تزال إسرائيل تمتلك جيشاً منظماً لهزيمة القوات العسكرية سيئة التدريب في مصر أو سوريا، كما فعلت في سبعينيات القرن الماضي. وبذلك ما يمكنني أن أؤكده هنا هو عدم جهوزية هذا الجيش لمحاربة الميليشيات المدربة جيداً والتي تمتلك عقيدة متينة كحزب الله وحماس”.
سامي خليفة – المدن