أثار خطاب ألقاه “ضابط- حاخام” على جنود إسرائيليين جدلاً واسعاً بين عدد من الإسرائيليين، وأشعل نار غضب واسعة بين آلاف المستخدمين على مواقع التواصل أيضاً خلال الساعات الماضية.
فقد انتشر المشهد الذي وصف بالمستفز بشكل واسع لعميحاي فريدمان، حاخام قاعدة تدريب “لواء ناحال” وهو يخاطب مجموعة من الجنود هاتفاً مسروراً بأن قوات بلاده “ستدمرهم جميعاً” في إشارة إلى فلسطينيي غزة.
كما أردف مزهواً بالقصف الإسرائيلي العنيف على القطاع الفلسطيني المحاصر، “لم لم يكن هناك قتلى ولا رهائن ولا جرحى في صفوفنا لربما كان هذا أسعد شهر في حياتي”.
“البلد كله لنا”
وأضاف صارخا بحماسة، “البلد كله لنا… بما في ذلك غزة، ولبنان!”
كذلك قال: “الأرض الموعودة بأكملها لنا.. سنعود إليها مرة أخرى! غوش قطيف (أي الكتلة الاستيطانية السابقة في غزة التي تم إخلاؤها في خطة فك الارتباط عام 2005 )- ستكون صغيرة مقارنة بما سنحققه!”
بينما راح الجنود يهتفون وراءه “كله لنا”.
وختم مشددا على أن “إسرائيل ستقتلع حماس، وسوف تدمر أعداءها، سندمرهم جميعًا”.
في المقابل، أعلن الجيش في بيان، بعد موجة انتقادات فجرها المقطع أن “سلوك هذا الضابط كما ظهر في الفيديو لا يتوافق مع قيم الجيش وتوجيهاته”، وفق ما نقلت صحيفة “هاآرتس”
كما أشار إلى أنه استدعاه “لاجتماع توضيحي!”، مضيفا أنه “لن يسمح بهذا النوع من الخطاب غير المقبول بين صفوفه، في الأوقات الروتينية أو في زمن الحرب”.
أتى هذا الفيديو بعد تصريحات نارية أيضا أطقها وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو أمس الأحد، معتبراً أن ضرب غزة بقنبلة نووية احتمال وارد، ما أحرج حكومة رئيس الوزراء بنامين نتنياهو، ودفعه لاحقا إلى إعلان توقيفه عن حضور جلسات الحكومة.
لم تأت عاصفة الغضب التي فجرتها تصريحات وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، حول إمكانية ضرب قطاع غزة بالنووي، من كونها منفصلة عن الواقع كما وصفها رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو فقط، بل لأنها أكدت سراّ يعلمه الجميع أيضاً.
فقد أعادت تصريحات الوزير اليميني المتطرف الجدل بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي لا تؤكد تل أبيب وجوده لكنها في الوقت عينه لا تنفيه.
كما فجرت موجة انتقادات واسعة في المجتمع الدولي ككل، وسلطت الضوء على ما قال البعض إنه اعتراف لأحد كبار المسؤولين في البلاد بامتلاك السلاح النووي، وهو ما يترتب عليه إجراءات دولية كثيرة.
بناء على ذلك، اعتبر الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بتغريدة على حسابه في منصة أكس أمس الأحد التصريح اعترافا “بامتلاك إسرائيل سلاحا نوويا وهو السر الذي يعرفه الجميع، على حد تعبيره”.
كما اعتبر عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، أن ما صرح به الوزير المتطرف “أول اعتراف لأحد كبار المسؤولين بإسرائيل بامتلاك تل أبيب سلاحا نوويا ويطرح إمكانية التهديد به بل يقترح على الحكومة المتطرفة القائمة استخدامه”.
فهل تمتلك إسرائيل برنامجا نوويا فعلا؟
لطالما اتسم برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي المفترض، والتاريخ المحيط به بالغموض، كما تم التسامح مع هذا الغموض إلى حد كبير.
ولهذا، فإن أي اعتراف رسمي ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي من شأنه أن يخل بالتوازن الحالي في المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتشار الأسلحة النووية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وفقاً لـ”مركز الحد من السلاح ومنع الانتشار”.
كما أن سياسة التعتيم النووي التي تنتهجها إسرائيل تجعل التحليل أمرا صعبا، إلا أن السجلات التاريخية توفر رؤى أساسية واضحة.
ففي مذكرة رفعت عنها السرية في يوليو /تموز 1969 إلى الرئيس ريتشارد نيكسون، أوضح وزير الخارجية هنري كيسنجر أنه عند شراء طائرات الفانتوم من الولايات المتحدة، التزمت إسرائيل بألا تكون أول من أدخل أسلحة نووية إلى الشرق الأدنى.
ومع ذلك، يُعتقد الآن أن إسرائيل فسرت كلمة “أدخل” على أنها تعني أنها تستطيع امتلاك أسلحة نووية طالما أنهم أي الإسرائيليون، لم يختبروها أو ينشروها أو يظهروها علناً.
وعندما طُلب منه تأكيد أن إسرائيل لا تمتلك أي أسلحة نووية في مقابلة أجريت معه عام 2011 مع شبكة “سي إن إن”، أجاب رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو ، أن هذه هي سياسة تل أبيب بألا تكون أول من أدخل الأسلحة النووية إلى الشرق الأوسط.
في حين يعد أرشيف الأمن القومي مصدرا قيما لتوثيق المصدر الأساسي الذي تم رفع السرية عنه لبرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي.
إلى ذلك، يعتقد العديد من الخبراء أن سياسة التعتيم التي تنتهجها إسرائيل يمكن أن تتغير على الأرجح إذا حصلت دولة أخرى في الشرق الأوسط على أسلحة نووية.
ولمنع كلا النتيجتين، دأبت إسرائيل على التدخل بشكل مستمر في البرامج النووية للدول المجاورة لها من خلال ما تسميه سياسة الضربات الوقائية، المعروفة أيضاً باسم “مبدأ بيغن”.
غوتيريش: التهديدات النووية تعرض العالم للخطر وتجعله أقل أمنا
على سبيل المثال، في 7 يونيو 1981، قصفت إسرائيل ودمرت المفاعل العراقي في أوزيراك، معتقدة أنه تم بناؤه لأغراض صنع الأسلحة.
وفي عام 2018، اعترفت إسرائيل بأن طائراتها المقاتلة قصفت منشأة الكبر النووية في دير الزور بسوريا في 6 سبتمبر 2007، وقد يكون امتدادا لهذه السياسة هو فيروسات ستوكسنت وفليم التي استهدفت منشأة التخصيب الإيرانية في نطنز الإيرانية عام 2010.
كذلك يُعتقد أنه تم تطويرها بالاشتراك مع الولايات المتحدة، فضلاً عن دورها باغتيال العلماء النوويين الإيرانيين.
ما تفاصيلها؟
ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تمتلك 90 رأسا حربيا نوويا تعتمد على البلوتونيوم، وأنها أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لصنع 100-200 سلاح.
وفي حين أن مخزوناً بهذا الحجم يشكل حداً أدنى من الردع، فإن عدم وجود برنامج لاختبار المتفجرات قد يثير مخاوف بشأن الفعالية.
كما أن هناك تكهنات بأن إسرائيل عملت مع دول أخرى لاختبار فعالية أسلحتها، وربما اعتمدت تل أبيب على فرنسا للحصول على بعض بيانات الاختبار حتى فرضت باريس حظرا على إسرائيل بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967.
إيران تتهم إسرائيل بمحاولة تفجير برنامجها الصاروخي والنووي
ويتكهن البعض أيضا بأن إسرائيل أجرت تجربة أسلحة نووية مع جنوب أفريقيا في عام 1979 المعروفة باسم حادثة “فيلا”.
ويُعتقد أن مخزونات المواد الانشطارية الصالحة لصنع الأسلحة في البلاد تأتي من مصدرين، الأول أن البلوتونيوم المخصص لبرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي تم إنتاجه في مركز الأبحاث النووية في النقب بالقرب من مدينة ديمونة.
كما من المحتمل أن يكون قد تم تشعيع وقود اليورانيوم الطبيعي في مفاعل يعمل بالماء الثقيل، على أن يمكن بعد ذلك فصل البلوتونيوم كيميائيا في مصنع إعادة المعالجة الذي يعتقد أنه يقع في موقع مشترك في النقب.
ويعتقد كذلك أن ديمونة بنيت بمساعدة فرنسية في الستينيات، على الرغم من أن المنشأة لا تخضع لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا يسمح للمفتشين بالذهاب إلى هناك.
إلى ذلك، قدرت دراسة غير سرية أعدت للكونغرس الأميركي عام 1980، أن مفاعل ديمونة قادر على إنتاج 9-10 كيلوغرامات من البلوتونيوم الانشطاري سنويا بدءا من عام 1965.
أما المصدر الثاني، فهناك تقارير غير مؤكدة حول تحويل 300 كيلوغرام من اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة إلى إسرائيل من مصنع لتصنيع وقود مفاعل الدفع البحري الأميركي في أواخر الستينيات. وإذا كان هذا صحيحا، فمن الممكن تخزين هذه المادة لاستخدامها في الأسلحة، أو يمكن خلطها باليورانيوم الطبيعي واستخدامها في مفاعل ديمونة لإنتاج التريتيوم .
كما يمكن أن يؤدي خلط التريتيوم مع الديوتيريو ، وهو نظير يسهل الحصول عليه، إلى زيادة إنتاجية الانفجار النووي.
إسرائيل: لدينا القوة لمواجهة خطر إيران النووي
وهناك أيضاً مفاعل أبحاث صغير يقع في مركز سوريك للأبحاث النووية في وسط إسرائيل يعمل باليورانيوم عالي التخصيب، فإن المفاعل والوقود يخضعان لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بالمنشأة. وقد زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالمفاعل والوقود في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، غير أن إسرائيل غير قادرة على استيراد المزيد من اليورانيوم عالي التخصيب لتزويد المفاعل بالوقود، لأنها ليست عضوا في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
في الجو..
وتحتفظ إسرائيل بطائرات إف-15 وإف-16 وإف-35 أميركية الصنع، وجميعها قادرة على حمل قنابل نووية مع تعديلها.
كما يبلغ مدى الطائرة إف-15 3500 كيلومتر، لكن من غير المعروف ما إذا كان قد تم تعديلها لتخدم دورا نوويا.
ويبلغ مدى الطائرة F-16 مسافة أقصر تبلغ 1600 كيلومتر، وهي الطائرة الأكثر احتمالاً للقيام بدور نووي لأنها تفعل ذلك لصالح القوة النووية الأمريكية وبعض أعضاء الناتو الآخرين.
مع ذلك، فإن إسرائيل بصدد استبدال الطائرة F-16 بالطائرة F-35، التي منحتها الولايات المتحدة أيضا مهمة نووية.
كما من المقرر أن تتسلم إسرائيل بقية الطائرات الشبح الخمسين التي تم طلبها بحلول عام 2024، وتدرس شراء 25 طائرة أخرى من طراز F-35 من الولايات المتحدة.
في البحر..
أما بحراً، فيفترض بعض الخبراء أن الغواصات الإسرائيلية الست من طراز دولفين يمكن تزويدها بصاروخ كروز معدل للهجوم البري، ولكن لا يوجد دليل قوي على مثل هذا النشر.
وحتى لو كانت هذه الغواصات ذات قدرة نووية أو يمكن تعديلها وتحديثها لغرض نووي، فإن ذلك لن يؤكد أن إسرائيل ستحتفظ أو يمكنها الاحتفاظ بغواصة نووية واحدة منتشرة بشكل مستمر في البحر.
كما أن الافتقار إلى القدرة الآمنة على توجيه ضربة ثانية من شأنه أن يدعم الحجة القائلة بأن إسرائيل تعتمد على الحد الأدنى من الردع المعقول.
على الأرض..
وتمتلك إسرائيل صاروخ أريحا 2 الذي يبلغ مداه أكثر من 1500 كيلومتر، وصاروخ أريحا 3 الذي قد يصل مداه إلى 4000 كيلومتر.
وتعود جذور برنامج أريحا إلى اتفاقية وقعت في أوائل الستينيات مع شركة داسو الفرنسية لإنتاج صاروخ باليستي أرض-أرض.
كما تم نقل الإنتاج إلى إسرائيل بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967، لأن فرنسا فرضت حظرا على المعدات العسكرية الجديدة.
تصريحات الوزير الإسرائيلي المطالبة بضرب غزة بقنبلة نووية تثير موجة من الاستنكار الدولية
في حين هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن العدد الإجمالي لصواريخ أريحا التي تمتلكها إسرائيل وعدد الصواريخ ذات القدرة النووية. ومن المفترض أن تكون بعض هذه الصواريخ ذات قدرة نووية، حيث تتراوح التقديرات من 24 إلى الأرقام المثيرة التي تتراوح بين 50-100.
موجة استياء عارمة
يشار إلى أن إسرائيل كانت رفضت توقيع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، أو السماح بالرقابة الدولية على مفاعل “ديمونة”.
إلا أن تصريحات وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو حول أن أحد خيارات إسرائيل في الحرب على غزة، هو “إسقاط قنبلة نووية” على القطاع الفلسطيني، أعاد الجدل بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي لا تؤكد أو تنفي إسرائيل وجوده، ما دفع ذاك الوزير إلى محاولة تبرير كلامه، لكن دون جدوى.
وأثارت تلك التصريحات موجة استياء عارمة على مواقع التواصل، إذ هاجم العديد من المستخدمين على منصة أكس أمس الأحد تلك الأفكار التي وصفوها بـ “العنصرية البغيضة”.
فيما اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو تعليقات إلياهو منفصلة عن الواقع، مؤكدا أن جيش بلاده يلتزم بالقوانين الدولية لجهة تجنب قتل المدنيين.
بدوره، دان وزير الدفاع يولاف غالانت، تلك التصريحات، معتبرا أنها عديمة المسؤولية، مضيفا “من الجيد أن الوزير ليس من بين المكلفين بأمن البلاد”.
كذلك، انتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد وزير التراث، معتبرا أن اقتراحه هذا حول النووي “مرعب ومجنون صادر عن وزير غير مسؤول”. وقال: “يجب على نتنياهو أن يقيله في الحال”.
من جهتها، اعتبرت حركة حماس أن تلك التصريحات “تعكس الإرهاب غير المسبوق لحكومة نتنياهو”. وقال الناطق باسم حماس، حازم قاسم، إن “تصريحات ما يسمى وزير التراث “تعكس الإرهاب غير المسبوق الذي تمارسه هذه الحكومة ورموزها ضد الشعب الفلسطيني، وتشكل خطراً على كل المنطقة والعالم”.
كما وصف ما تفوه به الوزير بالتعليقات “النازية النابعة من الدعم الكامل من بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة للعدوان الصهيوني على غزة”.
وبعد تلك الآراء النارية التي أدلى بها الوزير المتطرف، علّقت الحكومة حضوره جلساتها حتى إشعار آخر، بحسب ما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية.