بَدا أمس أنّ الحرب الاسرائيلية التدميرية على غزة والمواجهات والتراشق بين المقاومة وقوات الاحتلال اسرائيلي على الجبهة الجنوبية اللبنانية في سباق مع الوقت عشيّة القمتين العربية والاسلامية المقررتين في الرياض السبت والاحد المقبلين، حيث تسعى واشنطن الى فَرض هدنة وقف نار موقّت تحت العنوان الانساني، لشعورها بتعاظم نقمة الشارع العربي والرأي العام الدولي نتيجة المجازر التي ترتكبها اسرائيل يومياً في غزة، بما يهدّد مصالحها من جهة ويعكس مدى الفشل الاسرائيلي ومخالفة اسرائيل للقوانين الدولية وحقوق الانسان، فأوفدَ الرئيس الاميركي جو بايدن مستشاره اموس هوكشتاين الى لبنان حاملاً رسالة تؤكد «انّ الولايات المتحدة لا تريد أن ترى النزاع في غزة يتمدّد، وتشدّد على أنّ استعادة الهدوء على طول الحدود الجنوبية يجب أن تكون الأولوية القصوى لكل من لبنان وإسرائيل». فيما يعمل البيت الابيض في الموازاة على إقناع إسرائيل بوقف نار موقت «لأسباب انسانية»، ولكنها رفضت مُشترطة أن تُطلق حركة «حماس» الأسرى الاسرائيليين لديها قبل البحث في اي هدنة او وقف للنار، ما دَلّ الى خلاف بدأ يعصف بين واشنطن وتل أبيب.
أعلنت وزارة الخارجية السعودية أمس تأجيل القمة العربية – الإفريقية الخامسة التي كان مقرراً عقدها السبت المقبل إلى موعد يُحدد لاحقاً.
وقالت الوزارة في بيان مقتضب انّ هذا التأجيل تقرر بعد التنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومفوضية الإتحاد الإفريقي، مؤكدة أن سبب التأجيل هو الحرص على أن لا تؤثر الأحداث السياسية في المنطقة على الشراكة العربية – الإفريقية التي ترتكز على البُعد التنموي الاقتصادي.
ومن المقرر أن تستضيف الرياض السبت القمة العربية الطارئة في شأن غزة على ان تليها في اليوم التالي قمة منظمة التعاون الإسلامي التي سيشارك فيها الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي الى جانب ملوك ورؤساء الدول الإسلامية.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ إلغاء القمة العربية ـ الافريقية كان بهدف استبدالها بالقمة الطارئة لمنظمة التعاون الإسلامي بعدما دُعي إليها الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي وبقية رؤساء الدول الإسلامية المنضوية تحتها.
وانتهت المصادر الى القول انه من المستحيل ترتيب أعمال ثلاثة قمم في يومين، ذلك انّ معظم رؤساء الدول المشاركين في القمتين العربية والاسلامية يشكلون أعضاء القمة العربية ـ الافريقية ضمناً وهي خطوة عبرت عن الإهتمام السعودي بالضيف الايراني في هذه المرحلة بالذات.
مجلس الأمن يفشل مجدداً
وفي هذه الأجواء فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد مشروع قرار لوقف النار إثر احاطة أُجريت في مجلس الأمن بعد اجتماع مغلق حول غزة بناء على طلب الصين ودولة الامارات العربية المتحدة، اللتين أعدّتا المشروع وقد نال موافقة عشرة من اعضاء مجلس الامن غير الدائمين، لكنّ مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا أبطلا مفاعيله باستخدامهما حق النقض «الفيتو».
وقالت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ«الجمهورية» ان نهاية الاقتراح المشترك كانت حتمية. لأنّ الاجواء التي تسود أروقة مجلس الأمن لم تتبدل منذ اكثر من اسبوعين تقريباً وسقطت خلالها مجموعة من المشاريع المتناقضة. ولفتت إلى انّ الفيتو الاميركي ما زال يتربّص لأي اقتراح لا يدين حركة «حماس» ويتجاهل الدعوة الى وقف شامل للنار، وهو ما حصل أمس.
وفي هذه الاجواء زار هوكشتاين لبنان أمس موفداً للرئيس الاميركي وناقلاً منه رسالة للمسؤولين اللبنانيين تحذّر من تمدّد النزاع في غزة الى لبنان وتدعو الى «التطبيق الكامل» للقرار الدولي 1701.
وعلمت «الجمهورية» انّ البحث بين هوكشتاين واللواء عباس ابراهيم تناول ما انتهت إليه الإتصالات الجارية لترتيب عملية تبادل الاسرى من حاملي الجنسيتين الاسرائيلية ومن دول مختلفة لدى «حماس» و»الجهاد الاسلامي» في إطار الإتصالات المفتوحة بين الرجلين منذ فترة، وسطَ رواية تحدثت عن وجودهما معاً في قطر قبل زيارته الى بيروت.
زيارة ضمن حراك
وأوضحت مصادر رسمية تابعَت عن قرب لقاءات الموفد الاميركي هوكشتاين لـ«الجمهورية» انّ زيارته لبنان تأتي من ضمن الحراك الاميركي في المنطقة الذي قام به عدد من المسؤولين الاميركيين الكبار واستثنى لبنان، فزار هوكشتاين بيروت ليبقى لبنان على خريطة الاتصالات. وانّ هدف الزيارة الاساسي هو تهدئة الوضع على جبهة الجنوب ومنع توسّع الحرب والتصعيد، وشرحَ ما تقوم به الادارة الاميركية من اتصالات ومَساعٍ مع اسرائيل وغيرها لوقف الحرب على غزة ولو مؤقتاً وتحقيق هدنة انسانية تتيح إدخال مواد الاغاثة الى القطاع.
ولدى السؤال اذا كان هوكشتاين قد عرض تفاصيل ما تقوم به الادارة الاميركية؟ أجابت المصادر: «لم يدخل المسؤولون اللبنانيون في التفاصل ولا هو دخلَ فيها، بل عرضَ العناوين العامة للخطوات الاميركية لتخفيف حدة النزاع في المنطقة. وقد طلب الرئيسان بري وميقاتي من الموفد الاميركي ان تعمل الولايات المتحدة الاميركية على وضع حد لتصعيد اسرائيل سواء في غزة او في لبنان، «فليس نحن من نبادر الى التصعيد بل اسرائيل».
ولاحظَت المصادر انّ اللهجة الاميركية والاسرائيلية حيال لبنان «تغيّرت من التهديد والوعيد الى لهجة أهدأ وتقديم تطمينات»، ودعت الى مراجعة موقف وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الذي قال مساء امس ان «لا نية لدينا لخوض حرب مع «حزب الله»، ولكن إذا أقدمَ نصرالله على ارتكاب خطأ فسيقضي على لبنان». وهذا معناه عدم الرغبة الاميركية والاسرائيلية في الذهاب بالمواجهات العسكرية الى ما هو أوسع وأخطر.
لكن المصادر اكدت انه صحيح انّ المواجهات ما زالت ضمن الحد الادنى من قواعد الاشتباك على رغم من بعض الخروقات التي حصلت هنا وهناك، لكن الامور يمكن ان تنفلت وتتصاعد في اي لحظة وبسبب اي خطأ. لذلك، فالحل هو ما يطلبه لبنان بوقف إطلاق النار في شكل تام عبر الحل السياسي لأنّ اساس المشكلة هو احتلال فلسطين وما يجري فيها.