وزير يكافئ الفاسدين
أحال وزير المال يوسف خليل على مجلس الوزراء طلباً لإدراجه على جدول أعمال جلسة الغد يطلب فيه البتّ بالوضع الوظيفي لبعض الموظفين في المديرية العامة للشؤون العقارية، أي الموظفين في دوائر بعبدا وعاليه والشوف والمتن وجونيه وجبيل الذين تعرضوا تباعاً إعتباراً من شهر كانون اللأول 2022 لملاحقات قضائية أدّت إلى توقيف البعض وتواري البعض الآخر.
وقدّم الوزير في طلبه هذا إلى مجلس الوزراء إعادة الموظفين إلى عملهم مستنداً إلى تبريرات غير مقبولة على اعتبار أن تواريهم عن الأنظار تزامن مع إضراب القطاع العام وإقفال أمانات السجل العقاري، وأن الإستغناء عن هؤلاء الموظفين من شأنه أن يؤدي إلى توقّف العمل نهائيا في أمانات السجل العقاري المذكورة الأمر الذي ينعكس سلباً على خزينة الدولة والضرر الكبير الذي ألحق بالمرفق العام وبالمواطنين مع تراكم المعاملات.
وتحت هذه الذرائع يطالب وزير المالية بإعادة موظفين فاسدين إلى الإدارة، رغم أن التفتيش المركزي اعتبر في تقريره أن من أوقف وتمّ إخلاء سبيله يستطيع العودة إلى العمل وتطبيق المادة 18 من قانون الموظفين بحقه، أما من تواروا عن الأنظار الملاحقون قضائياً فعليهم وضع أنفسهم فوراً بتصرف السلطة القضائية لبتّ أمرهم وبعد هذه المرحلة الضرورية يمكن للقضاء بت أمر كل موظف بمفرده وإبلاغ النتيجة إلى الإدارة المختصّة التي تبحث الوضع الوظيفي لكل موظف.
ما يريده وزير المال من إعادة هؤلاء الموظفين إلى وظائفهم وكأن شيئاً لم يكن, ليس ما هو إلا استمرار لنهج الفساد الذي نخر الإدارة اللبنانية، فلماذا إذا تحرك القضاء وقام بمحاولة إصلاح ما دام في نهاية الأمر سيعود هؤلاء إلى وظائفهم؟ ولماذا جرى تعطيل الإدارة لأكثر من سنة وتعطّلت مصالح المواطنين وخسرت الخزينة الآلاف في هذه الظروف الصعبة؟.
في الظروف الإستثنائية التي يتحدّث عنها الوزير ويتحجّج بها لإعادة من هرب من تحمّل مسؤولية أفعاله، يجب أن تطبّق الإجراءات الإستثنائية كما حصل في إدراة النافعة حيث تم الإستعانة بقوى الأمن الداخلي حتى ولو لم يكن هناك خبرة لدى العناصر إلا أنه لا يمكن أن يتم إعادة الفاسدين إلى الإدارة بعد عملية التطهير التي حاول القضاء القيام بها.
فلماذا لا يستعين وزير المالية بخبرات من باقي الدوائر؟ ولماذا لا يتم إنتداب موظفين في وزارات تشهد فائضاً وظيفياً فيها مثل وزارة التربية مثلاً وتدريب هؤلاء المنتدبين؟ فهذه التدابير مثلاً كان يمكن اللجوء إليها قبل أشهر لمنع توقّف الإدارة من جهة وبالتالي عدم السماح بعودة من تقع عليهم شبهة الفساد.
لكن استماتة الوزير في إعادة هؤلاء الموظفين ترسم علامة استفهام حول القطبة المخفية التي تربط الوزير بهؤلاء, وتدفعه للسير عكس ما أوصت به هيئة التفتيش المركزي، لا سيّما أن عمل كهذا سيسجل في سجلّه الوزاري كوزير مهّد لاستمرار الفساد في الإدارات فلماذا يحمل هذا الوزر الثقيل؟.
أما لجهة تحججه بالظروف الإستثنائية, فهذا أمر آخر لأن لبنان رغم ما يحصل على حدوده الجنوبية لا يزال يعيش حياة طبيعية في إدارته حتى في المناطق الجنوبية الآمنة لذلك فحجته تسقط إلا إذا كانت الظروف هي فراغ الإدارات من الموظفين في الدوائر العقارية، وهذا الفراغ يتحمّل مسؤوليته هو ومن تولّى وزارة المالية طيلة عقود وسمح باستفحال هذه الظاهرة داخل الإدارة.
وإذا كانت الجهات الرقابية أوصت بطرد هؤلاء لا سيّما من توارى عن الأنظار فلماذا يتجاهل هذه التوصية ويذهب بأسماء أوردها مدير عام المالية جورج معرواي على لائحة سوداء للموظفين الذين يجب طردهم من الإدارة.
ولكن الوزير اليوم إختار أن يكافئ من أخذ الفساد نهجاً ممّا يشجّع الآخرين على السير بهذا النهج وبالتالي كأن القضاء لم يتحرّك وما حصل مجرد “سوء تفاهم” وفق نظرية الوزير المؤتمن على المال العام.