أقرّ وزير الاتصالات جوني القرم، في جلسة لجنة الإعلام والاتصال النيابية أمس، «أنّ مشروع استجرار الإنترنت عبر شبكة ستارلينك عمره سنة، وليس مرتبطاً فقط بخطّة الطوارئ الحكومية». وقد أثارت اعترافاته، بلبلة في الجلسة، ما دفع النواب إلى المطالبة بالتوسّع في نقاش المحاذير الأمنية والمالية. وربما اعتقد القرم أن كلاماً كهذا سيكون عامل ضغط لاستكمال ما قام به أول من أمس في مجلس الوزراء حين هدّد بالاعتكاف إذا لم يحصل على إقرار حكومي بصفقة البريد، فكرّر الأمر أمس ملمّحاً إلى أنه لن يتوقف قبل كسر احتكار وزارة الاتصالات لاستجرار الإنترنت ومنحه كامتياز لشركة تقدّم الخدمة من القمر الاصطناعي مباشرة إلى المستهلك.
في الجلسة التي عُقدت أمس بحضور النواب الأعضاء، وممثّلين عن الأجهزة الأمنية، نوقشت ثلاثة ملفات أساسية، أبرزها مشروع العلاقة المقترحة بين وزارة الاتصالات مع الشركة التي يملكها رجل الأعمال إيلون ماسك وتدير نظام «ستارلينك» وتركيب الأجهزة العائدة لهذه الشركة بواسطة جمعية «P Foundation» الأميركية المنشأ، ومسألة تلزيم صفقة البريد، وموضوع الإنترنت غير الشرعي.
الموضوع الأول مرتبط بخطّة الطوارئ في قطاع الاتصالات التي تعدّها الوزارة في حال اندلاع حرب واسعة بين لبنان والكيان الصهيوني. وقد تبيّن للنواب في اللجنة، أن استجرار الإنترنت عبر «ستارلينك» لا يمرّ عبر شبكة الدولة نهائياً، إذ تُعدّ هذه الخدمة اتصالاً مباشراً بين الشركة المزوّدة والمستخدم النهائي الذي يدفع ثمن الخدمة للشركة مباشرة. وهذا ما ينعكس سلباً على مداخيل الدولة من هذا القطاع. لكنّ الخسارة لا تنحصر في ذلك، بل تشمل أيضاً فقدان السيطرة على إدارة المعلومات وانكشاف داتا المستخدمين في لبنان أمام الخارج. إدخال «ستارلينك» بشكل تجاري خارج ضوابط حالات الطوارئ، يجعل من أيّ اتصال مع جهات معادية خارج دائرة المراقبة الأمنية، وهذا ما رفضه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بشكل تام. وقد اعترف القرم في الجلسة أن لديه أجوبة خطّية من الأجهزة الأمنية على اقتراحه من دون أن يكشف عن محتواها. كذلك أقرّ القرم بـ«أنّ مشروع ستارلينك بلغ سنته الأولى»، ما دفع اللجنة إلى التحفّظ الرافض لما يقوم به. وقد سأل بعض النواب عن جدوى مشروع كهذا، مطالبين الوزير بتقديم تفسير لهذه الخطوة، ولا سيما أن لدى لبنان «شركتَي اتصالات، وما زال النقاش قائماً على ترخيص وتجهيز الثالثة، فمن سمح بإدخال الشركة الرابعة، وهل هناك حاجة فعلية لمقدّم خدمات جديد؟». وحول تقديم خدمة الإنترنت خلال الحرب في حال قصفِ السنترالات الأساسية لفت أحد النواب إلى وجود خيارات أخرى متاحة لدى أوجيرو مشابهة لـ«ستارلينك» عبر السواتل، وتمر عبر الشبكة الرسمية، ما يبقي معلومات اللبنانيين داخل مؤسسات محليّة معروفة المرجع.
حاول القرم تبرير موافقته على تجربة استجرار الإنترنت عبر «ستارلينك» بأنها «لفترة تجريبية لمدّة ثلاثة أشهر». عندها طلب عدد من أعضاء لجنة الإعلام والاتصال النيابية تعديل نص خطة الطوارئ الحكومية وإضافة عبارة «مؤقّت» مع تحديد المدّة في الفقرة الخاصة بتأمين الإنترنت بالشكل الطارئ. وفي حال رغبت وزارة الاتصالات بالترخيص لـ«ستارلينك» في لبنان، فعليها تقديم مشروع واضح لمجلس النواب، إذ إنّ القانون الرقم 431 يحصر حق تقديم خدمة الإنترنت بوزارة الاتصالات، في حين أنّ «ستارلينك» قادرة على سحب هذا الامتياز من الدولة. كما على الوزارة إعداد دراسة جدوى تحدّد فيها إلى جانب الأسباب الموجبة للتوجه نحو الخدمة الجديدة، سبب استمرارها في صرف الأموال على الاستثمارات الحالية.
إذاً، لماذا أخفى وزير الاتصالات مشروع العلاقة مع «ستارلينك» عن الحكومة، ولا سيما أن جزءاً من هذه العلاقة يعود إلى أشهر مضت بواسطة جمعية «P Foundation» الأميركية المنشأ والتي عرضت تركيب أجهزة «ستارلينك» في عدد من الوزارات والإدارات الحكومية لربطها بشبكة الإنترنت؟ لم تحصل اللجنة على إجابة واضحة، لكنّ التقديرات تشير إلى أن القرم يرغب بتجنّب الأطر القانونية، ولا سيما هيئة الشراء العام، بسبب الثغرات والمخالفات التي تعتري مشاريعه وترجمتها في دفاتر الشروط، فضلاً عن حجم الثغرة الأمنية التي يفتحها الوزير والانكشاف على الخارج وربط لبنان بشركة واحدة بعدما كانت الدولة تحتكر هذا المجال تحديداً، إذ تأتي اعترافات القرم بعد رفضه مبدأ التصويت على مشاريعه في مجلس الوزراء مسبّباً في تفجير الجلسة وانفراط عقدها. وربما اعتقد أن اعترافات كهذه أمام لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، قد تمنحه قناة لتمرير طروحاته ثم استخدام رأي اللجنة لزيادة الضغط على مجلس الوزراء. غير أنّ «سلق المشاريع وأخذ النواب بالتهويل لم يمرا»، قال أحد النواب، مشيراً إلى ضرورة «تحديد جلسات إضافية لوزارة الاتصالات للاستماع إليها»، لا بل قيل للوزير القرم في الجلسة إن رفض مشاريع القرم لن يكون محصوراً باللجنة التي تمثّل مكوّنات سياسية ممثّلة في مجلس الوزراء أيضاً، وبالتالي فإن موقف اللجنة سيتكرّر في مجلس الوزراء.
ما كان واضحاً لكل من استمع إلى مشاريع القرم في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب أو بشكل شخصي، أن الرجل يريد «توقيعاً على بياض» لتنفيذ رغباته بتلزيم البريد بشكل مخالف لقانون الشراء العام ولرأي ديوان المحاسبة. وهذا الملف كان أحد البنود التي أطاحت بعقد جلسة لمجلس الوزراء أمس، إذ تبيّن أن هناك وزراء لا يرغبون بتكسير الرأي القانوني لديوان المحاسبة الذي فنّد صفقة البريد طالباً إعادتها بشكل يؤمّن المنافسة والشفافية بعيداً من المخالفات التي اعترت دفتر الشروط وبنوده المفصّلة على قياس شركة واحدة. لا بل إن الديوان قرّر قبل يوم واحد من انعقاد مجلس الوزراء، محاصرة القرم بالدستور، مشيراً بشكل واضح إلى أن هذه الصفقة، بالشكل الذي أتت فيه إلى الديوان، تنطوي على منح امتياز لا يمكن منحه إلا بقانون يقرّه مجلس الوزراء تطبيقاً للمادة 89 من الدستور.
أما في ملف الإنترنت غير الشرعي، فالمسألة الأساسية، بحسب مصادر مطّلعة، تكمن في أن الوزير لم يعمد بعد إلى اتخاذ قرار حاسم باستيفاء الرسوم من الشركات المخالفة التي صرّحت أن لديها مشتركين لم تصرّح عنهم سابقاً لوزارة الاتصالات، وذلك رغم أن ديوان المحاسبة أبلغه بأن هذا الاستيفاء لا يمنح شرعية لهؤلاء. بل إن الوزير ما زال مصرّاً على أن يستهدف شركات دون أخرى بناءً على نصائح مستشاريه الذين تربطهم علاقات مصالح مع شركات محدّدة.
فؤاد بزي – الاخبار