من الواضح أن حزب الله هو الذي يفرض إيقاعه على جيش الإحتلال الإسرائيلي بالنسبة إلى مسار العمليات العسكرية التي ينفذها الحزب إنطلاقاً من جنوب لبنان. واللافت للإنتباه أن الحزب يختار مواقيت محددة لا بد من التوقف عندها في تنفيذ عملياته، وتصعيد وتيرتها. فيوم الجمعة استهدف حزب الله 13 موقعاً إسرائيلياً، وهو العدد الاكبر لناحية العمليات في يوم واحد. جاء ذلك بالتزامن مع زيارة قائد القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال مايكل إريك كوريلا الى اسرائيل.
يوم الأحد الفائت، نفذ حزب الله عمليات عسكرية عنيفة ضد الإسرائيليين أدت إلى سقوط اصابات مباشرة في صفوفهم، وكان ذلك بعد اتصال هاتفي حصل ليلاً بين وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن ونظيره الإسرائيلي يوآف غالانت.
اختيار التوقيت
ليس من الصدفة أن يختار الحزب توسيع نطاق عملياته في موازاة أي حضور فعلي أو غير مباشر للأميركيين إلى جانب الإسرائيليين. فيما اقتصرت الردود الإسرائيلية في الأيام الماضية على قصف تقليدي وأقل من عادي على الأحراج الجنوبية في نطاق جغرافي معين، باستثناء قصف استهدف معملاً للألومينيوم في الكفور قضاء النبطية، وسبب استهدافه، بحسب ما قيل، أنه الحزب أطلق صاروخ أرض جو، من محيطه، لإسقاط مسيرة اسرائيلية.
عملياً، فإن العمليات التي ينفذها الحزب تستهدف المواقع الإسرائيلية ذاتها منذ 8 تشرين الأول/أوكتوبر، وهي المواقع المواجهة للحدود اللبنانية، إذ لم يحدد بنك أهداف جديد غيرها، او ربما حدده ولكنه لا يرى ان التوقيت قد حان لاستهدافها. في المقابل، فإن الردّ الإسرائيلي يقتصر على المناطق الحرجية المعروفة أيضاً.
خرق قواعد الاشتباك
هنا لا بد من العودة إلى تعداد الخروقات التي حصلت لقواعد الإشتباك هذه. في الأيام الأولى للمواجهات كان الإسرائيليون يستهدفون مواقع قالوا إنها لحزب الله على الشريط الحدودي، ومواقع تابعة لجمعية أخضر بلا حدود. فيما بعد حصلت بعض التجاوزات باتجاه ما يسميه الجيش الإسرائيلي مواقع وبنى تحتية ومخازن أسلحة وصواريخ للحزب، وهذا حصل في ياطر وصولاً إلى استهداف جبل صافي وجبل الريحان وبركة الجبور. أما على ضفة الحزب فإن معادلة المدني مقابل مدني طُبقت في استهداف كريات شمونة بصواريخ كاتيوشا. بالعودة إلى العمليات التي شنّها الحزب الأحد الفائت، فهي التي كانت قد تؤدي إلى انفلات الأوضاع والخروج عن كل قواعد الإشتباك، وهو ما لُجم عنه الإسرائيليون، إما لانعدام الجاهزية والقدرة، وإما بسبب الضغوط الأميركية.
الوجود الأميركي لا يخيف الحزب
كرر حزب الله عملياته المكثفة يوم الجمعة، في ظل وجود قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي في اسرائيل، وكان ذلك معطوفاً على تصريحات واضحة من قادة الحزب ومسؤولين بأن الوجود الأميركي في المنطقة لا يخيفه، ولذلك أصر الحزب على إقران القول بالفعل. ذلك يتقاطع مع الضغوط الأميركية الكبيرة على اسرائيل لمنع أي تصعيد مع لبنان، خصوصاً أن واشنطن لا تريد ذلك. وكانت زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت تصب في هذا السياق، وغايتها العودة إلى قواعد الإشتباك وتضييق نطاق المواجهات واقتصارها على المواقع والأهداف العكسرية وعدم شمول المدنيين بها.
خط حزب الله الأحمر
بناء على كل هذه المعطيات، يتضح أن الحزب هو الذي يفرض إيقاعه، فيما الردود الإسرائيلية تبقى أقل من مستوى عمليات الحزب. في الموازاة، تتكثف رسائل التهديد والتحذير الخارجية والتي لم يلتزم الحزب بها، إنما ردّ عليها بوجوب الضغط على اسرائيل لوقف العمليات العسكرية في قطاع غزة والإتجاه إلى المفاوضات السياسية. دون ذلك، فإن التصعيد لا يزال مطروحاً، وبتجاوز كل القواعد القائمة حالياً. إنما من خلال ما سيفرضه الحزب من وقائع جديدة في حال اصرار الإسرائيليين على استكمال عملياتهم العسكرية لإضعاف حماس أو كسرها وهو خط أحمر قد وضعه الحزب بشكل واضح. أو من خلال خضوع الإسرائيليين لمزايدات داخلية قد تهدف إلى تنفيذ عمليات ضد مواقع أساسية للحزب في العمق اللبناني استباقاً لأي مفاوضات وقف إطلاق النار، كي يتمكن الإسرائيليون من التبرير لسكان المستوطنات الشمالية بالقدرة على العودة وإعادة تفعيل القرار 1701.