هل مستشفيات الجنوب بخطر
فَتَحَ امتداد زمن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، كل الاحتمالات على المستوى الزمني ومستوى الأهداف التي قد تقصفها إسرائيل، خصوصاً وأنها كسرت كل الحدود بقصفها ودخولها إلى مستشفى الشفاء. وبذلك، تنتقل المخاوف من حصول سيناريو ما، في لبنان، قد لا يتطابق تماماً مع ما يحصل في غزة، لكن كلفته وانعكاساته لن تكون على قدر الاحتمال.
ومع أن وزارة الصحة اللبنانية سارعت إلى اعتماد خطة طوارىء صحية، على بُعد أيام من اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول الماضي، إلا أن ما تملكه الوزارة لا يؤمِّن صمود القطاع الصحي. وهذا المُعطى يزداد سلبيةً مع وضع منظمة الصحة العالمية كلفة تقديرية للفاتورة الصحية التي قد يحتاجها لبنان في حال استمرّ القصف الإسرائيلي على القرى الحدودية، وكذلك الفاتورة المقدَّرة في حال اتّسعَت دائرة القصف لتصبح حرباً تطال البلد بأكمله.
دخلت القذائف الإسرائيلية أعمق في الجغرافيا الجنوبية. إذ استهدف العدوّ يوم السبت 18 تشرين الثاني، معملاً للألمنيوم في منطقة النبطية، وقبل ذلك استهدف شاحنة في أحد بساتين الموز في منطقة الزهراني. وهذا مؤشّر على أن إسرائيل ليست ملتزمة بشكل قاطع بحصر الأعمال العسكرية في المناطق الحدودية. ومع استمرار الحرب على غزة وارتباطها بالحرب على الحدود الشمالية لفلسطين، فإن الفاتورة الصحية لتلك الحرب سترتفع في فلسطين ولبنان.
لبنانياً، لا تستبشر منظمة الصحة العالمية خيراً حتى الآن. إذ “غادر البلد أكثر من 40 بالمئة من القوى العاملة الصحية. وشخصين من كل ثلاثة أشخاص في لبنان يحتاجان إلى مساعدات إنسانية، ومنها المساعدات الصحية”. ولذلك، سارعت المنظمة الأممية إلى طلب “تمويل من أجل زيادة القدرة على التدبير العلاجي للإصابات الجماعية والرعاية الطارئة، وضمان استمرار الخدمات الصحية الأساسية المُقدَّمة للفئات السكانية الضعيفة والمتضررة، وتعزيز ترصُّد الأمراض ومكافحتها، وإجراءات أخرى”.
وبحسب تقرير المنظمة، فإن التمويل المطلوب ينقسم إلى قسمين تبعاً للسيناريوهات المحتملة للعمليات العسكرية. فإن اقتصرت العمليات على منطقة الجنوب “فتُقدِّر المنظمة أنها ستحتاج إلى 6.7 مليون دولار للاستعداد والاستجابة. وإذا امتدت الأعمال العدائية إلى البلد بأكمله، فستحتاج إلى 11.1 مليون دولار”. وتنضمّ هذه الأرقام إلى الأرقام المالية المطلوبة لفلسطين، ليصل مجملها، وفق المنظمة، إلى “نحو 140 مليون دولار”.
لا تعوِّل مستشفيات وأطباء الجنوب اللبناني على ما قد تقدّمه وزارة الصحة. فالإمكانيات غير متوفِّرة والمرحلة حسّاسة والقطاع الصحي “لن يتمكّن من الصمود بتاتاً إن كانت الحرب آتية على لبنان”، على حدّ تعبير وزير الصحة فراس الأبيض، خلال إطلاقه خطة الطوارىء في 12 تشرين الأول الماضي. وهذا يعني أن المستشفيات الجنوبية ستواجه بما لديها من إمكانيات سرعان ما تتحوَّل إلى خدمات إسعافات أوّلية قياساً مع ما ستواجهه من إصابات خلال الحرب.
وتؤكّد مصادر في القطاع الصحي في الجنوب، أن “المستشفيات قادرة حالياً على معالجة بعض الاحتياجات الصحية للجنوبيين القادمين من المناطق الحدودية. لكن في حال تطوّر الوضع إلى حرب على غرار حرب تموز 2006، فإن المستشفيات لن تصمد لأكثر من أسبوعين، قبل أن تتحوَّل إلى مراكز رعاية صحية أولية”.
سقوط مستشفيات الجنوب إلى مرتبة مراكز الرعاية الأولية، يؤشِّر إلى سلبية الواقع الذي قد يواجهه الجنوبيون. ووفق ما تقوله المصادر لـ”المدن”، فإن “المستشفيات الممتدة من صور إلى النبطية، لن تستوعب الحالات التي ستتوافد إليها، لأنها لن تستطيع تأمين الأدوية والتجهيزات الأساسية المستعملة في الحرب، وعلى رأسها أدوية البنج وأجهزة عمليات العظام وغيرها”. ويُصعِّب نقص التمويل قدرة المستشفيات على تخزين الأدوية والمعدّات “وتصعِّب المخاطر العسكرية وصولها في حال طلبها من بيروت أو مناطق أخرى”. ولا تقف المسألة عند هذا الحد، لأن “المخاطر تزداد مع الذهاب إلى خيار نقل المصابين نحو بيروت أو المناطق الأكثر أماناً. فقد تُستَهدَف سيارات الإسعاف، وقد لا تسمح حالة المريض الصحية بنقله لأنه قد لا يحتمل الانتقال”.
“الخطورة جدية والوضع غير مستقر، رغم عدم وجود قرار بالتصعيد بعد”، تقول المصادر. وتنبع المخاوف من أنّ “إسرائيل عادةً لا تنهي أي حرب إلاّ بضربة قوية قد تمتد لثلاثة أو أربعة أيام في لبنان، قبل أن يتدخّل طرف خارجي كالولايات المتحدة الأميركية لوقف الحرب، لكن حينها تكون الأذيّة قد وقعت”. وانطلاقاً ممّا بات معروفاً عن طريقة التفكير العسكري الإسرائيلي “تقوم منظمة الصحة بوضع دراساتها، على ضوء نوعية الإصابات التي تحصل في الحروب، وأغلبها الحروق والجروح العميقة التي تحتاج إلى أدوية البنج”.
الجميع يترقَّب، في الداخل والخارج. وكلّما طال زمن الحرب، ارتفعت قيمة الفاتورة الصحية، وهذا ما يدفع منظمة الصحة العالمية إلى اعتبار أن هناك “حالة انعدام اليقين بشأن المستقبل” في جنوب لبنان. فالأرقام المقدَّرة غير نهائية وقد تكون قليلة أمام ما قد يحتاجه المصابون، وهذا “يُلقي أعباءً إضافية على عاتق النظام الصحي”، خصوصاً وأن اللبنانيين يتكبّدون تكاليف صحية باهظة يدفعونها من جيوبهم.