وفق معادلة “لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء”، والتي نصّت عليها الإتفاقية الموقعة بين لبنان ومنظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام 2003، تسعى الدولة اللبنانية وعلى امتداد السنوات الماضية، إلى تسلّم داتا بيانات النازحين السوريين المتواجدين على أراضيها، والذين ما زالوا يتوافدون إلى اليوم، وبالآلاف عبر المعابر غير الشرعية، علماً أنه حتى العام 2015 كان عدد النازحين المسجلين لدى المفوضية، 800 ألف نازح مسجل بشكل رسمي.
في المقابل وبحسب الإحصاءات غير الرسمية، فإن أكثر من مليوني نازح سوري باتوا موجودين في لبنان، وهم يتلقون مساعدات من المفوضية كما من منظمات وجمعيات دولية، ما يساهم في استقرارهم في لبنان حيث يتلقون الدعم على كل المستويات، ويرفضون بالتالي العودة إلى وطنهم سوريا، ما يرتّب أعباء على الدولة في لحظةٍ إقتصادية وسياسية بالغة الدقة والصعوبة.
ومن ضمن هذا السياق، كشف المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري في كلمته لمناسبة عيد الإستقلال الثمانين في المديرية العامة للأمن العام، عن أن موعد تسلم داتا النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قد اقترب أخيراً، موضحاً أن “ملف النزوح السوري بات ملفاً أساسياً يتصل بحاضر لبنان ومستقبله”، ومتمنياً أن “يؤدي تسليم الداتا الخاصة بهم، في إيجاد الحلول لهذا الملف الضاغط على لبنان، وذلك بالتعاون مع الوزارات والإدارات المعنية”.
إتفاق آب
وتأتي هذه الخطوة المرتقبة في سياق الترجمة للإتفاق الذي كان قد تمّ في أب الماضي، بين المفوضية والحكومة حول تبادل البيانات الخاصة بالنازحين الذين يستفيدون من مساعدات المفوضية وتقديماتها والذين يبلغ عددهم 800 ألف، إضافةً إلى 700 ألف آخرين يستفيدون من مساعدات تختلف عن الفئة الأولى.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأتفاقية التي ستسلك طريقها إلى التنفيذ قريباً، ومن حيث المبدأ، قد تمّت بما يتوافق والمعايير الدولية لحماية البيانات وخصوصيتها، والتي يتعيّن على المفوضية الإلتزام بها.
وتكشف مصادر سياسية لـ”الديار”، أن مفوضية اللاجئين تشدد على الدوام، ومنذ العام 2012 أن هدفها هو حماية النازحين، ولذلك فإن تسليم الداتا قد يعرّض البعض منهم للملاحقة، خصوصاً وأن من بينهم، من هم متورطون بجرائم في الداخل السوري، بينما هم مسجلون كلاجئين سياسيين، وبالتالي فإنهم يخضعون للقانون الدولي الذي ينصّ على ضرورة عدم تسريب أسمائهم أو تسليمها للدولة اللبنانية تحت أي ذريعة.
لكن هذا الأمر لا يمنع التعاون الكامل بين المفوضية والأجهزة اللبنانية، وبشكل خاص مع الأمن العام، حيث تمّ الإتفاق على تشكيل لجنة تقنية للمضي قدماً ضمن المعايير الدولية لمشاركة الداتا وحمايتها.
والجدير بالذكر، أنه قد أعلن في آب الماضي أن وزارة الخارجية اللبنانية قد تسلمت داتا المعلومات الخاصة بالنازحين من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وذلك على أن تبقى هذه الداتا سّرية، ولكن من دون أن يتبع هذا الإعلان أي خطوات في إطار المتابعة. وبالتالي فإن الترقب هو اليوم، لما سيحصل في مطلع كانون الأول المقبل، وهو الموعد المبدئي لتسلّم داتا النازحين إلى المديرية العامة للأمن العام اللبناني.
“داتا النازحين”… مصطلح أو عنوان سياسي؟
يكثر الحديث عن داتا النازحين ويتكرّر في غالبية المواقف السياسية، ولكن من دون أن يتّضح الهدف من هذا الحديث لدى أي طرف يعمل على تأمين عودتهم أو على توظيف ملف النزوح في استحقاقات محلية، إلى أن تحول النزوح وداتا النازحين، إلى عنوانٍ يتكرر في الخطاب السياسي المعارض كما الرسمي، وذلك منذ سنوات إلى اليوم، زمنذ وصول أول نازح سوري إلى بيروت. فماذا يعني هذا المصطلح؟
إن “داتا النازحين”، أو قاعدة البيانات الخاصة بالنازحين السوريين، هي مصطلح يتناول عدد السوريين الذين نزحوا إلى لبنان وسجلاتهم وأماكن انتشارهم. وإذا كان العدد شبه معروف، فإن السجلات وأماكن الإنتشار هي ما يطالب لبنان بالحصول عليه من الهيئات الدولية التي تملك كل هذه المعلومات، وذلك لسببٍ وحيد، وهو أنها تدفع لهم الأموال.
ولذلك، فإن الخطوة الأولى التي يقوم بها كل سوري يدخل إلى لبنان، هي التوجه إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو “الأمم” كما يسميها النازحون، وذلك من أجل تسجيل إسمه، بغية الحصول على الدعم المالي والتربوي والصحي والغذائي.
تصفية حسابات سياسية ونزوح إقتصادي
لكن مصطلح “داتا النازحين” تحوّل إلى مادة سجالية، وإلى “طرح سياسي” في الحملات بين الأطراف الداخلية التي لا تزال تتعاطى مع هذا الملف، إنطلاقاً من تصفية الحسابات السياسية، بينما يستمرّ انتشار المخيمات العشوائية في أكثر من منطقة، وخصوصاً في البقاع وكان آخرها في صور منذ بضعة أيام، كما يستمر التعاطي “السطحي” مع هذا الملف، من قبل المعنيين.
ومن المعلوم أن مقاربة ملف النزوح بشكل جدي قد بدأت إعتباراً من العام 2014، لكن الطابع الأمني غلب على هذه المسألة. وبالتالي، عندما توقفت الدولة عن تسجيل النازحين، لم تتوقف المفوضية عن تسجيلهم وإحصائهم، رغم أن الحكومة طلبت في العام 2015 من المفوضية وقف التسجيل.
بعدها عادت الحكومة لتطلب من المفوضية منحها نسخة عن المسجلين لديها، وذلك من أجل تحديد معايير دخول وخروج السوريين من وإلى لبنان، بعدما تبيّن أن مئات الآلاف منهم يدخلون إلى سوريا ويخرجون بشكل طبيعي.
واعتباراً من العام 2015، بدأت أعداد النازحين تتزايد بشكل سريع، وبات السوريون يقصدون لبنان للعمل، ولم يعودوا لاجئين، لكن المفوضية لم تمنع عن أي منهم المال والدعم.
تجربة ناجحة؟
على امتداد السنوات الماضية، نجحت الحكومة وبالتعاون مع المفوضية، في شطب 16 ألف سوري، بعدما تبيّن للجانبين أنهم دخلوا وخرجوا من سوريا أكثر من مرة. وبالتالي، فإن طلب الحكومة من الأمن العام إعطاء داتا دخول السوريين وخروجهم، قد أتاح للمفوضية، بأن تقوم بدراسة هذه الأسماء ومقارنتها بتلك المسجّلة لديها، وقد تكون هذه التجربة هي المثال على أن معالجة ملف النزوح من خلال التعاون ومقارنة الداتا بين لبنان والمفوضية ممكن، وذلك عبر تنظيم الإقامات وتسجيل كل ولادة أو زواج يحصل بين النازحين.
ويشار إلى أنه خلال فترة عيد الفطر من العام الحالي، تمّ إحصاء دخول 37 ألف سوري إلى بلادهم ثم عودتهم إلى لبنان بعد انقضاء العطلة، ولكن من دون أن تتوقف المفوضية عن دعم إي منهم. واعتباراً من مطلع الصيف الماضي، تجددت حركة النزوح إلى لبنان من سوريا ولكن عبر معابر غير شرعية ودخل هذا الملف منعطفاً جديداً وإن كان شبه مؤجلٍ أي بحثٍ له ومتابعة له على المستوى الرسمي، نتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والإعتداءات على جنوب لبنان.