يقام “البلاك فرايدي” عادة في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني، ويستمر حتى كانون الأول، وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة يحاول التجار وأصحاب المراكز التجارية والدكاكين والحوانيت على اختلاف أنواعها واصنافها تصريف البضائع. وفي الوقت عينه يتم تخفيض أسعار السلع للتخلص من الكميات المتراكمة في المخازن، جراء عمليات التوضيب والتخزين. إشارة الى ان انطلاقة الـ “Black Friday” هذا الموسم بدت ضعيفة، فالأسواق خلت من “عجقة” الناس بسبب الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية الجنوبية اللبنانية من جهة، وانهيار قيمة العملة الوطنية، واضطراب الوضع الاقتصادي الذي أدى الى انعدام القدرة الشرائية لدى اغلبية المواطنين من جهة ثانية، على الرغم من ثبات سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
الجمود يقلّص الاستهلاك
بالموازاة، لا يمكن انكار ان “البلاك فرايدي” اضحى مناسبة تقليدية من الصعب تخطيها، خاصة في المرحلة التي تسبق الأعياد المجيدة. والمتعارف عليه ان التنزيلات في هذه الفترة تشمل كل البضائع والمنتجات دون استثناء، أي المواد الغذائية والالكترونية والالبسة والاحذية والمفروشات وأدوات التجميل، وحتى صالونات الحلاقة المخصصة للرجال والنساء على حدٍ سواء، وكل ما هو متوافر في الأسواق التجارية القائمة على مبدأ العرض والطلب أي الشراء والبيع، وهذه العملية تتيح المجال لكل شرائح المجتمع لشراء ما يحتاجون اليه.
الإعلانات الترويجية لم تنجح!
بات جليّا ان حسومات “البلاك فرايدي” التي تتّكل على الحملات الإعلانية، بقصد نشر بضاعة معينة وتسويقها من خلال الرسائل النصية القصيرة والمغرية، او عبر “التيك توك” و “انستغرام” والطرقات، لم تهزّ الأسواق التجارية، وبخاصة أن عيدي الميلاد ورأس السنة على الابواب.
ووفقا لمصدر في “جمعية تجار فرن الشباك”، “فإن 45% من الحركة التجارية كانت تبدأ يوم الجمعة الأخير من شهر11”. وقال المصدر لـ “الديار”: “كان يأتي الى لبنان ابّان هذه الفترة العرب والمغتربون لقضاء عطلة الأعياد للاستفادة من التنزيلات وشراء الثياب والهدايا، وحتى الذّهب والمجوهرات والمستلزمات الأساسية”.
أضاف “للأسف بات يسبح التجار مؤخرا عكس التيار، بسبب الاوضاع المادية والاجتماعية، بغية انتهاز الفرص لبيع ما تيسر لهم من المنتجات والبضائع المكدسة بأسعار جدا باهظة، خاصة في الفترة الحالية، بالرغم من التعثر المالي”.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف أصبحت عروضات “البلاك فرايدي” وصالات الـ “Show” في لبنان حاليا؟
في هذا الإطار، اوضح ارام كالكيان، وهو صاحب متجر لبيع الذهب في منطقة برج حمود، “ان المحلات تتأهب عادة منذ ساعات الصباح الأولى لإظهار وعرض كافة الاشكال والموديلات الحديثة والقديمة، وتكون الصالات مُتْخمة بالقطع المراد تصريفها اثناء هذه المدة، ونحاول جذب المستهلكين من خلال الحسومات المغرية”.
ووفقا لجولة أجرتها “الديار” في مختلف الأسواق اللبنانية، فإن التخفيضات التي كانت ظاهرة على واجهات المتاجر بلغت 70% ، وبحسب الباعة فإن التخفيفات ستكون أكبر في شهر 12 خلال يوم “الجمعة السوداء”. وينصح الخبراء المواطنين بشراء فقط الأغراض الضرورية والابتعاد عن السلع الأخرى، حتى وان وصل التنزيل الى 90%. لذلك من المهم قصد المكان الاصح للاستفادة القصوى من العروضات.
خصومات “فضفاضة”
يرى بعض التجار ان التلاعب بالأسعار سببه غياب الرقابة من قبل جمعيات تجار المناطق والوزارات المعنية، لذلك بات القطاع التجاري مهددا، لان بعض الباعة أصبحوا انتهازيين وبلا ضمير، و90% من العروضات مزيفة والاعلانات الترويجية تهدف الى شد الزبائن، فيقع هؤلاء في فخ الأكاذيب التسويقية. وواقعيا، يقوم البائع برفع أسعار البضائع ومن ثم يخفضها شكليا اثناء هذه الفترة، فيتحول “البلاك فرايدي” الى سوق سوداء على نسق ما يجري في قطاع الادوية والغذاء، حتى صار المواطن لا يثق في كل ما يتم الترويج له.
وفي هذا الإطار، كشف فؤاد وهو يعمل في محل لبيع الأدوات الكهربائية: “ان الأسعار ارتفعت بشكل كبير مقارنة مع العام المنصرم، وزاد الثمن بحوالى 3 اضعاف تقريبا ، بسبب انخفاض سعر صرف الدولار وثباته. وقال لـ “الديار”: “يعمد أصحاب المحلات الى مضاعفة أسعار البضاعة بالدولار او إعادة تسعيرها بالليرة اللبنانية، وانا مضطر الى السير مع حيتان هذا القطاع والا حاربوني بشتى الطرق”.
وفي شأن متصل، استطلعت “الديار” رأي شريحة واسعة من المواطنين حول “البلاك فرايدي” وتبين ان: “أكثر من 80% يفضلون عدم شراء احتياجاتهم الأساسية وحتى الضرورية، لان رواتبهم ما زالت بالعملة المحلية، كما ان الدولار “نزول” والاسعار “طلوع”، وشراهة التجار مفتوحة في ظل غياب من يراقب ويحاسب هؤلاء على تجاوزاتهم، التي باتت بالجملة ومخالفة للقانون”.
في الخلاصة، هناك ارتباط وثيق ما بين “البلاك فرايدي” والمرحلة المقبلة، أي ان التراجع في المبيعات سيستمر وربما ينسحب على موسم أعياد الميلاد ورأس السنة. إشارة الى ان ازدهار الاقتصاد اللبناني مرتبط بقدوم المغتربين اللبنانيين، لكن الحجوزات تراجعت ايضا بسبب الأوضاع الأمنية جنوبا.
ندى عبد الرزاق -الديار