المكياج الحلال

ورد في تقرير يتعلق بأدوات ومستحضرات التجميل، أن القيمة السوقية لهذه المواد تقارب الـ800 مليار دولار، مع زيادة كبيرة في إنتاج المستحضرات الحلال منها، ويستخدم وصف الحلال غالباً للدجاج والماشية المذبوحة حسب الشريعة الإسلامية، لكن «سوق الحلال» أصبح يشمل أموراً كثيرة، من الملابس والبنوك والمستحضرات الخالية من الكحول ومشتقات الخنزير. فهناك مثلاً دهان أظافر حلال يخلو تماماً من مواد محرمة، كما يدعي مصنعوه، يتميز بقابليته للتنفس، حيث يمكن للماء أن يتخلله ليصل للأظافر، مما يسمح للمرأة المسلمة بالوضوء وأداء الصلاة، من دون الحاجة إلى إزالة الطلاء، ومن يصدق صحة ما يدعيه مصنعو هذا النوع فقد اختار ما يناسبه ويريحه، وليس بالضرورة التيقن من صحته.

‪كما تنتشر في دول الغرب، بالذات، موضة أو منحى رفض استخدام مستحضرات التجميل الحيوانية المصدر من منطلقات أخلاقية، لرغبتهم في عدم الإساءة للحيوان وجعله مادة لإجراء التجارب، لكن هؤلاء لا يعارضون مثلاً استخدام مواد تجميل تحتوي على الكحول! لأسباب معروفة.

سيطرت دول آسيوية كبيرة، مثل الهند وباكستان وماليزيا، التي بها أعداد هائلة من المسلمين، على هذه الصناعة، والتي أصبحت تجد بعض الرواج حتى في دول أوروبية، وأصبحت تشمل أحمر الشفاه والرموش والكريمات والأصباغ المتنوعة، إضافة لمختلف أنواع طلاء الأظافر.

ولكي تعلن أي شركة أن منتجها «حلال»، يجب أن تحصل على شهادة حلال من «منظمات معتمدة» مصرح لها بذلك، لكن ما الضمان أنها غير مخترقة أو فاسدة؟ خصوصاً أن نسبة كبيرة من هذه المستحضرات تباع «أونلاين»!

وفي السياق نفسه، أعلنت غرفة التجارة قبل فترة عن تنظيم دورة أو ندوة تتعلق بمستحضرات التجميل الحلال، وذكرني ذلك بمقال كتبته قبل سنوات، تعلق أساساً بمدى جهلنا بالمواد التي تدخل في إنتاجها منتجات مشتقة من الخنزير. فقد بيّن بحث علمي، قامت به الهولندية كريستيانا christien meindertsma، تعلق بما يحدث للخنزير بعد ذبحه، حيث اكتشفت أن لحمه وجلده وشعره ودمه وعظامه وكامل أعضائه الداخلية تدخل في صناعة وإنتاج «مئات» المواد، وهو الحيوان الوحيد الذي تتم الاستفادة منه بشكل كامل، حتى آخر نقطة دم، أو قطعة جلد أو عظم. وأن منتجات الخنزير تدخل في صنع القوالب الفولاذية، التي تستخدم في كبس وصناعة أوعية وحاويات الألمنيوم، التي تستخدم غالباً في حفظ الأطعمة. كما تدخل تقريباً في كل ما نستخدمه في الحمام من صابون وشامبو وكوندشنر، وكريمات مقاومة التجاعيد، ولوشن ترطيب الجلد، ومعاجين الأسنان، التي نتمضمض بها يومياً، وكل مواد التجميل تقريباً.

كما تستخدم في كل أنواع الحلويات، وبالذات «الشيز كيك»، والشوكولاتة والتريماسو. كما يدخل في عجينة أنواع كثيرة من الخبز، وفي صناعة الزبد، وبالذات القليلة الدسم. كما لمواده علاقة وثيقة بصناعة طابوق البناء الخفيف، وفي أواني الخزف الصيني، وإنتاج أفضل أنواع الدهانات الصناعية وفراشي الدهان، وفراشي الأسنان طبعاً، كما يدخل في صناعة الصمغ وبعض الكحوليات.

كما تدخل منتجات الخنزير في إنتاج الهيموغلوبين، المستخلص من دم الخنزير في صناعة فلاتر السجائر. والطريف أن المادة الأساسية في تركيبة الكولاجين، المستخدم في كل عمليات التجميل، النسائية وحتى الرجالية، في شرقنا المتدين، يتم استخلاصها من منتجات الخنزير، لأن الجسم البشري يتقبلها بسهولة. كما تستخدم مواد «مخنزرة» في عمليات جراحة القلب.

وتبين كذلك أن مصانع الأسلحة تستخدم منتجات الخنزير في صناعة طلقات الرصاص، كما تدخل بقاياه في إنتاج الطاقة المتجددة، وفي عشرات الاستخدامات الأخرى، وخصوصاً الأدوية والأطعمة.

فأين المفر، ونحن بهذا التخلّف والضعف الصناعي؟

أشيع أن هناك نية لاستقبال جرحى العدوان الإسرائيلي على غزة وتقديم العلاج لهم! على الرغم من الجانب الإنساني العظيم لهذا الأمر، فإن الضرورة تتطلب التروّي، فغالباً لن يكون بإمكان هؤلاء العودة إلى غزة مستقبلاً!

*نقلاً عن “القبس

Exit mobile version